قانون «مسحوب الدسم» وصغار المضاربين «كبش فدا» للحيتان
لم تنجح «مسكنات» المصرف المركزي المتعاقبة في لجم ارتفاعات أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الليرة، بينما يصرُّ جهابذة «المركزي» في إطلالاتهم الإعلامية على الحديث عن حزمة من الإجراءات التدخلية «الحازمة» لمواجهة موجة صعود غير معهود في أسعار الصرف، ولكن السؤال: كيف سيكون للمركزي فاعليته وتأثيره في سوق الصرافة رغم أن الإجراءات الحقيقية الرادعة لا تزال تنأى بنفسها خارج قانون الصرافة؟!
ما دامت فلسفته تختزل في وضع صغار المضاربين «كبش فدا» لتجاوزات حيتان السوق، وما دام أصحاب القرار النقدي يصرّون على أن ارتفاع اسعار الدولار وهمي دون أن يمتلكوا القدرة على التأثير فيه وتخفيضه، فالوعود الرسمية فشلت في الحد من صعود أسعار الصرف، والعامل النفسي حيّر القائمين على إدارة السياسة النقدية، لتوجه سهام الأخير لصغار المضاربين، ولتعلو الأصوات المطالبة بمحاسبتهم، ونشر أسمائهم، متجاهلة عن عمد أنهم المنفعلون في سوق الصرافة السوداء لا الفاعلون..
قانون الصرافة.. «مسحوب الدسم»
لا يخفي المتابعون للشأن الاقتصادي أن قانون الصرافة يشكل عائقاً في وجه محاسبة المتلاعبين بالعملة الوطنية، فلا وجود لسند قانوني مباشر يتيح محاسبتهم، ليتيح ذلك هامشاً كبيراً أمام المضاربين والمتلاعبين بالعملة الوطنية، فلم تجرِ الإشارة في قانون الصرافة إلى موضوع المضاربة بالعملات إلا بشكل عابر، ولم تخصص مادة واحدة لهذا النوع من التلاعب بالليرة، فالمادتان /18/ و/21/ من قانون الصرافة، عرًجت على المخالفات التي يمكن حدوثها، إلا أن موضوع المضاربة الذي يشهده السوريون اليوم في سوق الصرافة، ويعانون من تبعاته في تدني قيمة مداخيلهم، ينأى بنفسه خارج القانون، في الوقت الذي أشارت إليه قوانين الدول الأخرى مثل الأردن بشكل واضح، حيث منع القانون الأردني المضاربة غير المشروعة بالعملات الأجنبية بأية طريقة أو وسيلة..
النص القانوني الحازم بحق المضاربين بالعملة، وتطبيقه فعلياً على أرض الواقع، سيشكلان الأرضية الصلبة لدعم استقرار سعر صرف الليرة السورية أمام سلة العملات الأجنبية، والحفاظ عليها، ودون هذا النص القانوني الرادع، والإجراءات التي ستؤخذ بعده فعلياً بحق المخالفين والمضاربين في السوق السوداء للصرافة، لن تنجح أي من سياسات المركزي في لجم أسعار السوق السوداء..
الحل بتحريك العجلة الاقتصادية
كان من الطبيعي زيادة الطلب على الدولار وعلى القطع الأجنبي عموماً نتيجة تزايد الاعتماد على الاستيراد لتغطية الاحتياجات المحلية، من المشتقات النفطية والمواد الأساسية والغذائية، وقائمة مستوردات عام 2012 تؤكد هذا التوجه، والناتج بالأساس عن تضرر الزراعة وتراجع كميات الإنتاج الزراعي بشكل كبير، وتوقف العجلة الصناعية بقسم كبير منها، فقد شلت حركة أغلب المدن الصناعية، أي أن سورية تحولت من مُصدِر إلى مستورد للعديد من المواد والسلع الغذائية الأساسية، وهذا ما خلق طلباً إضافياً على القطع الأجنبي، فصحيح أن المقايضة التي سعت الحكومة إلى تنشيطها كانت أحد المخارج للحد من الطلب على الدولار، إلا أنها تعثرت في كثير من الأحيان، ليبقى أمام الحكومة طريق إجباري لتحريك العجلة الاقتصادية، على أمل إيقاف تراجع قيمة العملة الوطنية لكون الليرة غطاء الاقتصاد..
إن دعم الليرة سيمر من خلال دعم بنية الاقتصاد وقطاعاته الأساسية، وهنا لا ننفي الدور السلبي الكبير الذي لعبه المضاربون في أزمة أسعار الصرف التي تعيشها البلاد منذ عام ونيف، والذي يضاف إليه التراجع في الإنتاج الوطني، أي أنه مع العودة التدريجية للعجلة الاقتصادية في البلاد، واستئناف الإنتاج، سينخفض الطلب على القطع الأجنبي، ولكن السؤال الذي يبقى برسم الحكومة الحالية: هل هي قادرة -بالواقع الحالي- على دعم الإنتاج، والمساهمة في تحريك النشاط الاقتصادي (الزراعي والصناعي تحديداً) للمحافظة على قيمة الليرة السورية وإيقاف تدهورها؟! وهل تملك التمويل الكافي لمثل هذا المشروع الضروري حالياً؟! أم أن الواقع الأمني سيفرض نفسه عائقاً أمام محاولات كهذه؟!
«سحب صلاحيات».. خطوة جدية؟
في خير نوعي وغريب من نوعه أكد وزير الاقتصاد محمد ظافر محبك، أن الحكومة قررت استيراد المواد الغذائية الأساسية ونصف الأساسية بدلا من التجار وانتهت من القرار، ولكنها تبحث عن صيغة مناسبة لأفضل آلية لاستيراد هذه المواد..
وأشار إلى أن قائمة المواد التي تعتزم استيرادها تتضمن مجموعة متنوعة من الغذائيات، والتي تشتمل على السكر والرز والشاي والبن والسمون والزيوت النباتية، إضافة إلى المعلبات الضرورية من حليب الأطفال والأدوية، أي بمعنى آخر سحب الصلاحيات بنسبة معينة من بعض رجال الأعمال الذين يستوردون بتمويل من «مصرف سورية المركزي»، أي يمولون بسعر الصرف الرسمي في حين يبادرون إلى تسعير السلع التي يستوردونها بسعر الصرف الموجود في السوق السوداء..
أكدت قاسيون في عدة أعداد سابقة بأن لحظة الأزمة هي لحظة مناسبة لاسترداد الحكومة لدورها في التجارة الخارجية والتوزيع، ويأتي القرار ضمن هذا السياق..
بعيداً عن الإعلام نتمنى أن ينتقل «القرار الخبر» إلى ممارسة جدية لا تؤدي إلى تراجع كميات المواد بل زيادة تأمينها بسعر يتناسب مع مستوى الدخل المتراجع للسوريين.