الربح الإضافي في تداول الأسهم.. بلا ضريبة

الربح الإضافي في تداول الأسهم.. بلا ضريبة

لم تلقَ فكرة فرض رسم مالي على الأسهم المتداولة في البورصة إلا الرفض من جانب «جمعية المحاسبين» و«هيئة الأوراق المالية»، فالفكرة التي لم ترتقِ بعد إلى مستوى مشروع قانون محتمل، إلا أنها لاقت استنكاراً وهجوماً شرساً من جمعية المحاسبين القانونيين، والتي اعتبرته مخالفاً للقانون الضريبي

ولكن هل حاول هؤلاء التساؤل في الاتجاه المعاكس: ألا يعتبر إعفاء الأسهم المتداولة في البورصة من ضريبة الدخل -وفق القانون الضريبي النافذ حالياً- مخالفاً للدستور السوري أساساً؟! أليس الدستور هو المظلة التي تستوحى منه كل الأنظمة والقوانين لا العكس؟!

يقول الدستور السوري بمادته الثامنة عشرة، في الفقرة الثانية، بالعدالة في فرض الضرائب، «يقوم النظام الضريبي على أسس عادلة، وتكون الضرائب تصاعدية بما يحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية»، ففي البلاد تفرض عشرات الضرائب المباشرة وغير المباشرة، حيث تفرض الضرائب على الأرباح الصافية للشركات المساهمة، والشركات ذات المسؤولية المحدودة، والمهن الحرة، وعلى المشاريع الصناعية والزراعية بنسب تصل إلى 28% على بعض المكلفين، كما تفرض الضرائب على أجور ورواتب العاملين في القطاع العام والمشترك والخاص، بينما يرفض هؤلاء من حيث المبدأ فرض ضريبة على قيمة تداولاتهم في سوق الأوراق المالية، على الرغم من أن تلك الضرائب هي الوحيدة التي لن تنعكس سلباً على معيشة السوريين، ولن تزيد من أعبائه الحياتية..
فإذا ما كانت الضرائب على الدخل تطال كل أنواع الدخل بلا تمييز، حيث تفرض الضرائب على الأرباح لتطال المشاريع في القطاعين الإنتاجي والخدمي، فلمَ ستستثنى البورصة وأرباحها وأصولها غير الحقيقية التي يتم تداولها من الضرائب إذاً؟! وما هو مبرر الإبقاء على أرباح تداول الأسهم فيها معفاة من ضريبة الدخل؟! ألا يُخِل هذا التمييز بمبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية التي تحدث عنها الدستور؟!
فكرة ترمى بألف حجر
اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء وافقت على فرض رسوم وضرائب بنسبة 5% ولمدة ثلاث سنوات على جميع الرسوم والضرائب المباشرة وغير المباشرة بما فيها ضريبة ريع العقارات لزيادة الإيرادات الجارية للموازنة العامة للدولة، وذلك تحت بند المساهمة الوطنية في إعادة الإعمار، ولم يعترض أحد في حينها، على الرغم من أن ذلك الرسم سيزيد الأعباء المعيشية على ملايين السوريين، بينما أثيرت ضجة إعلامية على فكرة فرض ضريبة على تداولات البورصة، والتي لن تطال الضرائب المفترضة على تداولات البورصة سوى بضع عشرات من الشركات المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية، ومن شركات الوساطة والخدمات المالية في أحسن الأحوال، والاهم من كل هذا: لمَ لا تُعامل الأسهم المتداولة والشركات المدرجة في البورصة بالمثل؟! ألا يفترض بأصحاب تلك الشركات والمتعاملين فيها المساهمة في إعادة الإعمار؟! ولمَ تبرر سياسات التوجه نحو زيادة جميع الرسوم والضرائب على السواد الأعظم من المواطنين؟! بينما ترمى فكرة فرض رسم رمزي على بضع شركات في سوق الأوراق المالية بألف حجر، وقضية فرض رسم على تداولات الأسهم يفترض بها أن تكون جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الضريبية لا أن تعفى منها!!..
فالشركات المساهمة في بورصة دمشق، لا بد أنها تدفع الضرائب عن أعمالها الفعلية، كالمصارف ومكاتب الصرافة وشركات التأمين، وبعض الشركات الصناعية.. إلا أن تداول أسهمها في البورصة، هو عمل مشتق هدفه الربح من تداول الأسهم وارتفاع قيمها، ومن المفترض أن يترتب عليه رسوم ما..
100 مليون ل.س سنوياً
لم تتجاوز تداولات البورصة في عام 2012 مليارين و100 مليون ل.س، أي أن فرض رسم مالي رمزي على الأسهم المتداولة في البورصة بنسبة 5% أسوة برسم إعادة الإعمار لن يكون مجحفاً بحق الشركات المدرجة في البورصة السورية، فالعائد المالي لن يتجاوز الـ 100 مليون ليرة سنوياً في حينها، وهذا ليس بالكبير نسبة ورقماً، ولا يحتاج إلى كل هذا التهويل والتخويف من تبعاته السلبية على سوق الأوراق المالية..
يبقى الرهان..                                                        هل تتحول الفكرة إلى قانون؟!
فكرة فرض رسم مالي على الأسهم المتداولة في البورصة ليست إبداعاً سورياً بالطبع، فمصر سبقتنا على هذا الصعيد، وقد فرضت ضريبة على التعاملات في سوق الأوراق المالية، ومثل تلك الرسوم تفرض في معظم البورصات العالمية، كالاتحاد الأوروبي والهند وماليزيا وغيرها من الدول، وإذا كان هدفه في تلك البلدان الحد من المضاربة في بورصاتهم، فإن الهدف منه لدينا يختلف جذرياً، فنحن نعيش أزمة شاملة، تركت آثارها الكارثية على الاقتصاد الوطني، والتي يدفع أغلى أثمانها الأغلبية المسحوقة من الشعب السوري، وفق المنطق الحالي للسياسات الاقتصادية، فهؤلاء تحملوا العبء الأكبر من هذه الأزمة الاقتصادية، بدءاً برفع أسعار المواد التموينية والمشتقات النفطية بنسب كبيرة، وصولا إلى فرض رسم إعادة الاعمار، دون أن يقترب أحد من أصحاب الثروات ورؤوس الأموال، ويبقى الرهان: هل سيفرض رسم مالي على الأسهم المتداولة في البورصة السورية؟! وهل سنسمع بخبر إقرار هذه الفكرة قانوناً نافذاً وجزءاً من المنظومة الضريبية؟!