احتمالات تحرير السعر مطروحة.. الكهرباء قد تكون التالية

احتمالات تحرير السعر مطروحة.. الكهرباء قد تكون التالية

بعد أن اقتربت السياسات الحكومية من تحرير أسعار المشتقات النفطية، وبعض المواد التموينية، بحسب الدراسة التي أعدتها هيئة التخطيط والتعاون الدولي قبل أقل من عام تقريباً (في شهر نيسان من عام 2013)، ها هي تسعى للانقضاض على القطاع الكهربائي

فهو فريستها الحالية، والأبواق الإعلامية حاضرة لتسويق مثل تلك المشاريع والرؤى، دون النظر –بالدرجة الأولى- إلى الانعكاسات السلبية لمثل تلك القرارات على الشرائح الواسعة من هذا الشعب، والذي تقتات الملايين منه على الإعانات الإنسانية، ودون الحديث عن ملايين أخرى حولتهم الأزمة الحالية إلى فقراء!..

تتطلع وزارة الكهرباء، حسبما صرّح وزير الكهرباء عماد خميس، إلى تطبيق فكرة توزيع مبلغ الدعم الذي يقدم للقطاع الكهربائي نقداً على المشتركين مشروطاً بتقاضي قيمة الاستهلاك من جانب المشتركين بالسعر المحرّر (العالمي غير المدعوم)، مصوريّن أن هذا المخرج هو الحل الصحيح لعملية التنمية في القطاع الكهربائي، وأنه سيحقق العدالة في تقديم الدعم للمواطنين، فالمشروع لن يحقق العدالة المفترضة، لأن «حسابات الحقل لن تطابق حصاد البيدر»، ومئات المليارات التي ستوفّر بهذا المشروع نظرياً (850 مليار ليرة سنويا) ستصب في أحسن الأحوال بخانة تمويل عجز السياسات الحكومية عن الوصول إلى الموارد الحقيقية من جيوب ناهبي الاقتصاد الوطني، وكبار المتهربين ضريبياً، وهذا سيجعل من الشرائح الفقيرة والمحدودة الدخل الفئات الأكثر تضرراً من تطبيق مشاريع كهذه، وتجربة رفع أسعار العديد من المشتقات النفطية خلال الأشهر القليلة الماضية خير دليل على ما وصلنا إليه من استنتاج..
«دس السم في العسل»
الرؤية التي أعدتها هيئة التخطيط والتعاون الدولي، والتي تهدف إلى تحرير أسعار المشتقات النفطية، حيث سيكون السعر المقترح لمادة الغاز المنزلي 1200 ل.س للأسطوانة، و75 ل.س لليترالمازوت، و100 ل.س لليتر البنزين، و60 ألف ل.س لطن الفيول، بالإضافة إلى رفع سعر السكر التمويني بما يتراوح بين 25 أو 50 كغ، ورفع سعر الأرز التمويني بين 25 أو 50 كغ، قد وصلت إلى خواتمها، باستثناءات طفيفة، ولكن، ماذا عن الدعم النقدي الذي افترضت تلك الدراسة توزيعه على ملايين السوريين (أكثر من 500 مليار ل.س)؟! وأين ذهبت ملايين الليرات من الوفر التي تحدثت عنها تلك الرؤى؟! وهل تفكر الحكومة في توزيع هذا المبلغ أساسا؟! أم أنه كان مجرد خدعة حكومية وإعلامية؟! وحلقة تآمر جديدة على الشعب السوري من جانب صانعي السياسات الاقتصادية! وذلك على قاعدة دس السم في العسل!!..
«جس نبض»
هذا الطرح الجديد لوزير الكهرباء، والذي يدخل في سياق «جس نبض» الشارع السوري، ينفي ما كرره وزير الكهرباء على لسانه مرات عدة، وما كانت تعلنه الحكومة، من أن لا نية لديهم لتحرير أسعار تعرفة الكهرباء، والتي سبقتها مثل تلك الادعاءات عند التجهيز لتحرير أسعار المشتقات النفطية، إلا أن المفارقة، كلما ارتفعت الأسعار زاد معها الدعم طرداً نظرياً، على الرغم من انخفاض أسعار صرف الدولار في السوق السوداء بأكثر من 30%، ودور الخط الائتماني مع إيران في تأمين الاحتياجات المحلية من المشتقات النفطية، وبعض المواد الغذائية بسعر دولار مركزي، إلا أن الدعم الحكومي في ازدياد دائم، فهل لأحد أن يفسر لنا على أي الأسس تستند الدراسات والتصريحات الحكومية في تحديد الدعم على هذه المادة أو تلك؟!
أعطني الراتب بالمقاييس العالمية
كثيرة هي التصريحات الرسمية التي تتحدث عن ضرورات حساب أسعار العديد من المواد الأساسية محلياً بالأسعار الرائجة عالمياً، إلا أننا لم نسمع يوماً تصريحاً لوزير المالية –على مر الحكومات المتعاقبة- يتحدث عن ضرورات إعطاء رواتب العاملين في البلاد (في القطاعين العام والخاص) وفق المقاييس العالمية، ولم نسمع يوماً عن مشروع حكومي أو دراسة رسمية تتحدث عن ضرورة زيادة الحد الأدنى للأجور بما يوازي الحد الأدنى للأجور عالمياً، على الرغم من الفارق الكبير بين الأجور محلياً وعالمياً، والذي يصل إلى عشرات الأضعاف، في الوقت الذي تتقارب فيه أسعار الكثير من المواد «المدعومة» والمحررة داخلياً مع السعر العالمي!!..
كل تلك السياسات الحكومية التي يجري تلميعها من جانب أبواق إعلامية ورسمية، لن تؤدي في المحصلة إلا إلى زيادة الفجوة الكبيرة بين فقراء البلاد وأغنيائها، وستزيد من فجوة الفوارق الطبقية المتسعة أساسا، ومثل تلك السياسات، هي التي أسست القاعدة الاقتصادية والاجتماعية لولادة الأزمة السورية وتفاقمها، وهذا ما اعترف به المسؤولون السوريون، وما يجري اليوم هو إكمال خط ونهج «الدردري» على أرضية استغلال الأزمة لتطبيق مثل تلك السياسات، ولكن السؤال: لمصلحة من يتم استكمال هذا النهج الاقتصادي الذي بنى الأرضية الاجتماعية الاقتصادية لكل هذا الدمار في البلاد؟!

آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين1/أكتوير 2013 13:19