إعادة قطع التصدير: خطوة لضبط السياسة النقدية.. لكن مع مؤشرات سلبية!
صدرت نشرة تسعير الصادرات الأولى لعام 2013، وأتت أرقام تسعير الصادرات فيها واضعة الحد الأدنى لقيم المواد التي تضمنت 74 مادة غذائية، 31 مادة نسيجية، 25 مواد أخرى. ووضعت الحدين الأدنى والأعلى لصادرات الخضار والفواكه،
وفي مراقبة الحد الأدنى لقيمة الصادرات الموضوعة يلاحظ أنها بمجملها أقل من أسعار السوق، وفي بعض المواد تبدي قيماً أقل من أسعار الجملة أيضاً، وأقل من أسعار الكلفة المحلية المتأثرة بسعر الصرف المرتفع..
النشرة التي أصدرت للمرة الأولى في عام 2013 في الشهر التاسع منه، وبعد أن أعلنت هيئة تنمية وترويج الصادرات بأن الصادرات السورية متراجعة بنسبة 90%، لم يقدم تفسير لهدف نشرها في هذا الوقت أو لعدم نشرها سابقاً، إلا أن ما صدر لاحقاً قد يفسر سبب النشرة، وهو إقرار رئيس مجلس الوزراء بإعادة العمل بتعهد قطع التصدير، فما هو التعهد وما العلاقة بينهما؟
فرحة «المركزي» التي لم تتم..
في نهاية أزمة الثمانينات واعتباراً من عام 1988 في الفترة التي سميت بمرحلة دعم الصادرات، ترافقت عمليات دعم الصادرات حينها مع إصدار التعهد بإعادة القطع التصديري حيث يلتزم المصدرون بإعادة نسبة 100 % من القطع الأجنبي الذي يحصل عليه من عمليات التصدير ليودعها في المصارف المحلية ويأخذ قيمتها بالليرة السورية، ثم بدأت هذه النسبة بالانخفاض لتمر بمراحل: أولها في التسعينيات حيث أصبح المصدر قادراً على الاحتفاظ بنسبة 50% من القطع الأجنبي لقيمة صادراته ويودع نسبة 50%، في عام 2000 أصبح المصدر قادراً على الاحتفاظ بنسبة 90% من القطع الأجنبي ليودعها في حساباته بالداخل أو الخارج ويلتزم بإعادة 10% فقط لإيداعها في المصارف المحلية..
أوقف تعهد إيداع قطع التصدير اعتباراً من عام 2009 في الخطوة التي عارضتها جهات حكومية حينها واستمر الجدل حولها من عام 2006 لتقر في عام 2009 مدعومة بتأييد التجار والصناعيين والبنك المركزي بالإضافة إلى أصحاب سياسة التحرير النقدي الليبرالية وأعلنت مصادر في المركزي حينها وبتاريخ 20-5- 2009 عن إيقاف العمل بتعهد إعادة القطع التصديري، وبأنها بهذه العملية تخطو خطوة نحو تحرير الرقابة على النقد الأجنبي.. (الذي نحصد نتائجه اليوم)، وتذرع المركزي حينها بأن تعهد إعادة القطع يعيق نمو الصادرات..
منذ ذلك الحين يستطيع التجار المصدرون الاحتفاظ بعوائد التصدير بالقطع الأجنبي لأنفسهم وفي حساباتهم الداخلية أو الخارجية..
تذكر قطع التصدير في نهاية الأزمة
أقرت رئاسة مجلس الوزراء إعادة العمل بتعهد إعادة القطع التصديري، ولم تحدد النسبة، ما يعني أن التجار المصدرين عليهم أن يعيدوا ما حصلوا عليه بالقطع ويودعوه في المصارف المحلية، ويستطيعون الحفاظ عليه في حالتين إحداها أن يقوموا بتمويل مستورداتهم من القطع ذاته، والثانية أن يقوموا ببيع القطع الأجنبي الذي حصلوه إلى المصارف المرخصة للقيام بهذه العملية..
على الرغم من إيجابية القرار المتأخر والذي يأتي بعد أن وصلت نسبة تراجع الصادرات إلى 90%، إلا أن صدوره يعتبر بحد ذاته عودة عن خطوة من خطوات التحرير النقدي تضاف إلى جملة من خطوات الضبط الضرورية للسياسة النقدية «المنفلتة من عقالها» في المرحلة السابقة وخلال الأزمة، إلا أن هناك ما يدعو للتساؤل.. في الربط بين توقيت نشرة الصادرات ذات الأسعار المخفّضة وبين إلزام المصدرين بإعادة القطع، وهذا الربط قد يشير إلى إعاقة عملية الحصول على القطع بالكامل، والتفاف على القرار..
تطمين استباقي..
صدور القرار رقم 2311 القاضي بإلزام المصدرين بتعهد إعادة القطع التصديري قبل عملية التصدير خلال الأسبوع الثاني من شهر 9-2013، قد يفسر صدور نشرة تسعير الصادرات الأولى في عام 2013 في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، ولكنه يفتح تساؤلات لماذا سعرت الأسعار بهذا المستوى المنخفض ضمن النشرة؟
إن إحدى وسائل تهرب التجار سابقاً من الالتزام بتعهد القطع كانت تسعير قيمة صادراتهم بقيم أقل من القيمة السوقية الحقيقية، بالتالي تنخفض نسبة القطع المعاد للمصارف المحلية ما يساهم في تخفيف قيمة الصادرات الإجمالية، لذلك فإن التساؤل مشروع عن أسباب الانخفاض الكبير لقيمة الصادرات كما وردت في النشرة الحكومية والتي تأتي كوسيلة تسمح للمصدرين بتخفيف رسمي ومشروع لقيمة صادراتهم وبالتالي لقيمة القطع، فلماذا وضع تسعير بحد أدنى للصادرات بهذا الحد المنخفض لأغلب المواد وهو ما سيؤدي إلى تخفيض نسبة القطع المعاد من الصادرات المصدرة؟
هل تشكل نشرة الصادرات عملية تطمين للتجار المصدرين(حيث أغلب المواد المصدرة هي مواد خام) حيث تسمح لهم بوضع حد منخفض لقيمة صادراتهم وبالتالي الاحتفاظ بجزء هام من القطع بشكل غير شرعي.. وتحديداً إذا ما كانت مطابقة البيانات الخارجية هي من مهمة الجمارك السورية التي تشير آخر الدراسات العائدة لهيئة تنمية الصادرات السورية وفق استبيان لها بأن 67% من المتعاملين مع الجمارك يتعاملون بموجب رشاوى للصادرات والواردات، بالتالي فإن تجاهل فواتير الصادرات المرتفعة من الخارج مقابل تثبيت سعر منخفض معتمد على النشرة ذات الأسعار المنخفضة ستساعد على تزوير بيانات الصادرات لتقليل قيمتها وتأريض عملية العمل بتعهد إعادة قطع التصدير..