«إعادة الإعمار» فاتورة اقتصادية لدعم سياسي ستدفع من جيوب السوريين فعلياً!!..

«إعادة الإعمار» فاتورة اقتصادية لدعم سياسي ستدفع من جيوب السوريين فعلياً!!..

تحضّر دول وجهات إقليمية ودولية كثيرة نفسها لمرحلة إعادة الإعمار في سورية، فالشركات الأوروبية ترصد الفرص المتاحة، وتتهيّأ لها، وكذلك يفعل الأمريكان وسواهم من الدول الكبرى على الساحتين الدولية والإقليمية، ،

وعقدت لأجل هذا الغرض العديد من المؤتمرات الدولية، فالجميع «يسن أسنانه» والأزمة لم تنتهِ بعد، فكيف ستكون الحال بعد انتهائها إذاً؟! خاصة وأن التنافس على صفقات إعادة الإعمار سيكون على أشده بين الشركات والكتل الإقليمية والدولية المتصارعة على الأرض السورية

 يبقى السؤال: على حساب من ستكون إعادة الإعمار؟! ألن يكون على قاعدة استعباد الشعوب ونهب ثرواتها عبر قروض طويلة الأجل أو عبر مؤتمرات دولية «لدول مانحة»؟! فتلك المليارات لن تكون «كرمى عيون» أي طرف سياسي مهما كان بطبيعة الحال؟! بل بمثابة ديون بعشرات المليارات من الدولارات ستجبى من جيوب السوريين في المحصلة، وتجربة لبنان خير شاهد!..
قد يجد البعض أن الحديث عن إعادة الإعمار في الوقت الحالي غير مجدٍ، وهذا صحيح إذا ما نظرنا إلى القضية من بعدها الزمني، فالأزمة لم تنته بعد، وإعادة الإعمار مرهونة باتفاق سياسي لم ترشح بوادر الوصول إليه حتى اللحظة، بل إن صوت المعارك لا يزال الأعلى حتى هذه اللحظة، إلا أن هذا لا يعني أن نتجاهل كل الزخم الإعلامي الذي يضخ في هذا السياق..
التحضيرات بدأت وتستمر..
كوريا الجنوبية استضافت مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار الاقتصاد السوري في 29 أب 2013 بمشاركة مسؤولين من 60 دولة، وسبقه اجتماعٌ لمجموعة عمل «أصدقاء سورية» في 24 من شهر أيار في أبو ظبي لبحث موضوع الاقتصاد السورية ما بعد الأزمة، لتعلن خلاله ألمانيا والإمارات تحالفهما لإنشاء مبادرة مشتركة لإعادة بناء سورية، وبين هذا وذاك، جاء الدردري حاملاً مشروعاً لإعادة إعمار سورية على حصان منظمة (الاسكوا) التابعة للأمم المتحدة، أي أن الحراك الدولي لتقاسم الكعكة السورية قد بدأ منذ زمن طويل ونحن آخر من يعلم، وما الدعم السياسي لهذا الفريق أو ذاك سوى فاتورة اقتصادية سندفعها نحن السوريين لاحقاً تحت رسم إعادة الإعمار، وتدخل هذه العملية «بازار» الصفقات السياسية، لاستثمار تلك الدول دعمها السياسي اقتصادياً.
التجارب السابقة
تجارب العراق ولبنان خير دليل على ما نقول، فقد فشلت في بلوغ أهدافها، وأثقلت كاهل اللبنانيين على سبيل المثال بتكلفة الاقتراض الخارجي التي تأكل جزءاً أساسيا من الموازنة اللبنانية، والتنافس الفرنسي البريطاني على قيادة عملية إعادة إعمار ليبيا لن يأتي بنتائج أفضل كما نتوقع!!..
من هي الدول التي سيكون لها دور في إعادة إعمار سورية؟! سؤال تختلف الإجابة عليه تبعاً للموقف السياسي وفق الاصطفافات الحالية؟! فأنظار الجميع تتجه عند الحديث عن إعادة الإعمار إلى روسيا أو إيران أو الصين أو إلى الولايات المتحدة وأوروبا أو دول الخليج، متناسين أن المؤتمرات الدولية التي جُربت لإعادة إعمار أفغانستان والعراق ولبنان لم تخلص إلى نتائج إيجابية على تلك المجتمعات، ولم تنعكس إلا ديوناً طويلة الأجل أنهكت أغلبية ساحقة من تلك الشعوب بطبيعة الحال، وهي النتائج نفسها التي سترتبط بالتوجه نحو الاقتراض الخارجي من المؤسسات والمنظمات الدولية ومن بعض الدول، وما يعنيه ذلك من الخضوع لشروط سياسية واقتصادية تفرضها تلك الدول أيضاً.
البدائل المتاحة
الأطراف الجدية في الأزمة السورية لم تطرح مقولتها بعد عن إعادة الإعمار، ولا بد أن يوجد السوريين جبهة اقتصادية وطنية تطرح إمكانية الاعتماد على الموارد الاقتصادية المحلية لمرحلة إعادة الإعمار، على اعتباره الكفيل الوحيد بعدم حدوث انعكاسات سلبية عميقة على معيشة المواطنين، وإعادة إنتاج الأزمة السورية، إلا أن مثل هذا الخيار الإلزامي سيعني إعادة النظر جذرياً بالسياسات الاقتصادية المتبعة للوصول إلى الموارد الضائعة في دهاليز الفساد، واكتشاف الموارد المهدورة، فإعمار سورية يجب أن يتم بكوادر وطنية بشكل أساسي، وبرؤوس أموال وطنية، وليس برؤوس أموال هاربة منذ بداية الأزمة، لتعود إلى البلاد مع انطلاق قطار إعادة الإعمار لتحصد مليارات الليرات لجيوبها فقط، لتكون في الجوهر على شاكلة الشركات الأجنبية، والقروض الخارجية، والمؤتمرات الدولية، فعلينا أن نعيد إعمار بلدنا بأنفسنا لنحقق إعماراً يخدم الشعب السوري بغالبية شرائحه بدلاً من خدمته أصحاب رؤوس الأموال، وشركات وحسابات الدول العربية والأجنبية في المحصلة، لتكون البلاد والمواطن هم أول الخاسرين في هذه الحالة..