سياسة «الكيل بمكيالين» تستمر.. اقتصادياً
أن تعاني بعض الشعوب والدول من سياسة الكيل بمكيالين، هو ما ألفناه في قواميس السياسة الدولية، إلا أن انتهاج السياسة ذاتها في المجال الاقتصادي الداخلي لبعض الحكومات فهو قليل التداول على المستوى الإعلامي بالدرجة الأولى، ..
حتى وإن كان أمراً واقعاً في كثير من السياسات الاقتصادية لأغلب الحكومات، وهذا النهج، هو ما تسعى إلى ترسيخه سياسة بعض الوزارات في الواقع الحالي، والحكومة السورية بشكل عام، لتثبيت الخط الذي بدأته حكومة العطري قبل عقد من الزمن تقريباً، حتى وإن اختلفت المبررات، فالتشابه في المضمون مؤكد دون الحاجة للأدلة والشواهد
سابقاً واليوم
محاباة الأغنياء كانت العنوان العريض لسياسة حكومة العطري، وعبر هذا الخط العريض، ُقدمت كل الامتيازات والإعفاءات والتسهيلات لأصحاب رؤوس الأموال، وزادت الطبقة المخملية غنىً على حساب الأغلبية الساحقة من الشعب السوري، واليوم يكرر التاريخ نفسه، فالظرف الاستثنائي فرض على الحكومة -حسب زعمها- رفع سعر المازوت لثلاث مرات متتالية، وبنسبة تصل إلى 200%، كما فرض رفع سعر أسطوانة الغاز بنسبة 150% إلى 1100 ل.س، ورفع سعر طن الفيول بنسبة 270% إلى 50 ألف ليرة للطن الواحد، وأسعار لتر البنزين إلى 80 ل.س بنسبة 60%، والذي يضاف إلى ارتفاع أسعار سلة الاستهلاك بنسبة تزيد عن الـ 200%، بكل ما تركه ذلك من انعكاسات سلبية على معيشة السوريين، إن لم نقل إفقار شرائح واسعة منهم، وإدخالهم تحت خط الفقر، ورغم ذلك لم تتوانَ الحكومة عن اتخاذ مثل تلك القرارات، ولم يرف لها جفن على الرغم مما خلفته تلك القرارات من «إجرام» اقتصادي بحق المجتمع السوري..
استثناءات «لناس وناس»
لم تفكر الحكومة يوماً في منعكسات تلك السلة من القرارات المتتالية على الشعب السوري، رغم كونها معروفة النتائج سلفاً، والحكومة لا تجهلها بالطبع، إلا أنها قررت تجاهلها، واستمرت في سياسة البحث عن الموارد من جيوب فقراء البلاد، لكن المفاجئة غير المتوقعة، كانت في إعلان وزارة المالية عن إعداد مشروع صك قانوني يتضمن إعفاء المكلفين من القطاع العام والخاص والمشترك من الفوائد والغرامات والجزاءات المترتبة على الضرائب والرسوم المستحقة عليهم، وحملة الإعفاءات التي قد تبدأ قريباً لم يظهر بعد آليات تحديد من يستحق الإعفاء أم لا، بين صناعيين وتجار ومكلفين كبار حيث لا يعتبر كل هؤلاء سواسية من حيث تأثير نشاطهم الاقتصادي على المصلحة الاقتصادية العامة، وليسو كلهم ممن يستحقون أن تشملهم «الظروف الاستثنائية»، وبغض النظر عن طريقة الإعفاءات ومعاييرها إلا أن طرح الفكرة يشير إلى المفارقة بين معايير القرار السياسي الاقتصادي المنحازة للأقوياء والتي لم تضع الظروف الاستثنائية نصب عينيها عندما اتخذت قرارات بالجملة تمس لقمة عيش السوريين بشكل مباشر وغير مباشر، ولم نلمس هذا الحرص على الشريحة الفقيرة، بل كانت الموارد في رأس أولوياتهم حينها، لا بل تجاهل أصحاب القرار الدعوات العديدة ومنها عبر صفحات جريدة «قاسيون» لتحميل أصحاب رؤوس الأموال الجزء الأكبر من انعكاسات الأزمة على الواقع الاقتصادي، عبر فرض ضريبة على أصحاب رؤوس الأموال الذين تزيد ثرواتهم عن الـ 50 مليون ليرة، ولم تلقَ هذه الدعوة أذان صاغية من قبلهم..
ولهذا نسأل: ماذا يمكن تفسير هذه السياسة الاقتصادية المقصودة؟! ألا يعني أن هناك معيارين للتعاطي مع الشعب السوري باختلاف انتماءاتهم وشرائحهم الاقتصادية؟!!.. ولما الإصرار على تحميل الفقراء دون سواهم تبعات الأزمة الحالية..