استيراد الدولة للمواد الأساسية.. حلم وردي في واقع مظلم
مضى شهر على قرار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية استيراد المواد الغذائية الأساسية ونصف الأساسية بغية توفيرها بأسعار مقبولة، في الوقت الذي يتم تسعيرها من التجار بطريقة فوضوية وغير منصفة للمستهلك السوري، إلا أن هذا القرار لم يجد طريقه لأرض الواقع حتى اليوم،
علماً أن قرب حلول شهر رمضان كان من أبرز المبررات التي سردها وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية لاتخاذ القرار، نظراً للعادات الاستهلاكية في هذا الشهر وتشكيله فرصة هامة لتحقيق المكاسب بالنسبة للتجار..
جاء على لسان وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد ظافر محبك أن «الحكومة تحضر لأن تدخل بديلاً في استيراد المواد الغذائية الأساسية والضرورية لحياة المواطن اليومية بحيث تستورد النسبة الأكبر من المواد التي يحتاجها المجتمع، أي بمعنى آخر سحب الصلاحيات بنسبة معينة من بعض رجال الأعمال الذين يستوردون بتمويل من مصرف سورية المركزي، في حين يبادرون إلى تسعير السلع التي يستوردونها بسعر الصرف الموجود في السوق السوداء» موضحاً أسباب القرار الذي لم ينفذ بعد، أنه «حتى تكون المواد متوفرة لكل المواطنين وبأسعار مقبولة قياسا إلى دخلهم بما يحقق منافسة حقيقية في الأسواق السورية أمام السلع والبضائع التي يستوردها التجار بما فيها الغذائيات والاستهلاكيات الضرورية منها، ولاسيما أن شهر رمضان بات على الأبواب وهو شهر تختلف فيه العادات الاستهلاكية ويزداد معدل الاستهلاك فيه».
شهر رمضان بدأ والمكاسب بدأت تتكون والمواطن بدأ يقينه أن قرار الاستيراد لن يكون سوى «إبرة بنج» لمواساته من مصيبته اليومية ومع كل تردد على السوق، أو أن الدولة شريكة لأولئك التجار ولا تريد إغضابهم والضرر بهم؟؟..
الخزن والتسويق.. أتى رمضان ولم تتغير الحال
توجهت (قاسيون) للمؤسسة العامة للخزن والتسويق باعتبارها من مؤسسات التدخل الإيجابي والمناط بها عمليات بيع وتوزيع السلع في الأسواق، وذلك بناء على أن وزارة الاقتصاد لم تحدد طريقة واحدة لتوزيع المواد التي من المزمع استيرادها من الدولة، لتفتح احتمالات التوزيع المباشر عن طريق مؤسسات التدخل الإيجابي، أو البيع للتجار من المرافئ كما ذكرت الوزارة في تصريحات سابقة..
«عالوعد يا كمون..»
بيّن مدير عام المؤسسة حسن مخلوف أنه «لم تصل أي كميات من المواد التي تقرر استيرادها، وهي بشكل أولي المواد الأساسية الغذائية الاستهلاكية، رغم وجود توجيه من الحكومة بضرورة وصولها منذ بداية الأسبوع الحالي، وكان من المقرر أن نستلم بداية كميات من الفروج تصل إلى 5 آلاف طن، ثم تصل الكميات الأخرى من الفروج ومواد ثانية من سكر ورز وسمنة وزيوت وغيرها».
وحول دور المؤسسة في اختيار المواد لاسيترادها، قال مخلوف: «قدمنا قائمة لمؤسسة التجارة الخارجية بالكميات وأنواع المواد التي نرغب باستيرادها لتقوم بمهمتها، لكن تاريخ وصولها ما زال غير معروف».
وفيما يتعلق بأسعار المبيع المتوقعة للمواد المستوردة، لفت مخلوف إلى أنه «بالنسبة للفروج هناك تقدير أولي بأن يتم بيعه بسعر 300 ل.س/ك، أما المواد الأخرى فعند وصولها يتم البت بموضوع سعر بيعها، لكن ستكون أقل من السوق حتماً لأن الهدف هو كسر الارتفاع في الأسعار».
وعن طريقة بيع المواد، أكد مخلوف أن «المؤسسة لن تتردد في البيع بالمفرق والجملة ونصف الجملة في حال كانت الكميات الواصلة كبيرة وكافية، لأنها وبمنافذها غير قادرة على تغطية كافة السوق، لذلك لا مانع من بيع التجار لكن مع وجود آلية تشترط عليهم عدم رفع السعر».
نقص بالكميات
وارتفاع بالسعر
ووصل سعر مادة الفروج إلى أكثر من 650 ل.س/ ك، حيث توقعت الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار ارتفاع سعر البيض بشكل مستمر ومطرد، موضحة وجود نقص بكميات الفروج المعروضة في أسواق دمشق مقارنة بالطلب عليها، وارتفاع كبير بأسعار المادة بسبب ارتفاع سعر الصرف الذي أثر على ثمن الأعلاف المستوردة وتاليا الفرخات المنتجة للصيصان، وكذلك ارتفاع تكاليف الوقود والنقل بالإضافة إلى الظروف التي تشهدها المناطق التي تتواجد فيها مداجن المربين (أرياف حمص وحماة و دمشق ودرعا) وانخفاض كبير في عدد المسالخ العاملة نتيجة الظروف التي تشهدها مناطق ريف دمشق، والتي تعوق عمل هذه المسالخ إضافة إلى صعوبة تأمين المادة الأولية اللازمة لعملها (الفروج الحي).
وفي استفسار عن المخزون الاستراتيجي للمؤسسة، قال مخلوف إن «لدى المؤسسة مخزونا استراتيجيا من المواد الغذائية المتوفرة بشكل دائم في أغلب الصالات والمنافذ إضافة إلى وجود سيارات جوالة، كما تم طرح تشكيلة واسعة من الخضار والفواكه واللحوم بكافة أنواعها بقر-غنم-فروج وكذلك سمك الفيليه والهامور إضافة إلى السكر والرز والعدس والحمص».
الحكومة في وادٍ
والتجارة الخارجية بآخر
انخفض عدد الحاويات الداخلة للموانئ والمرافئ والحدود السورية بحيث لا تتجاوز نسبة 25% من حجم الاستيراد قبل الأزمة، لم يتحسن الأمر بعد قرار وزارة الاقتصاد بأن تقوم الدولة بالاستيراد وما تلاه عن خط الائتمان الإيراني الذي من المفترض أن يسهل عمليات الاستيراد..حيث تم مؤخراً الاتفاق على توريد عدد من السلع الأساسية من إيران بموجب الخط الائتماني، تضمنت الفروج والطحين والسمك والزيوت والسمون وغيرها.. إلا أن التجار وكذلك مؤسسات التدخل الإيجابي الحكومية، يؤكدون بأنهم لم يستفيدوا إلى اليوم من الخط الائتماني المذكور، والذي لا تزال نقاشاته في أروقة المؤسسات..
أما المؤسسة العامة للتجارة الخارجية المسؤول الأول عن عملية الاستيراد، فيبدو أنها ما زالت عالقة في شباك الروتين، خاصة إذا علمنا أنها قررت الإعلان عن مناقصة خاصة بشراء الفروج المجمد سعياً لتأمينه بأقل سعر، حيث تبين لها ارتفاع سعره بعد فض عدة عروض بهذا الإطار، دون أن ننسى التفاصيل المتعلقة بتأمين القطع لعمليات الاستيراد، والتي ما زالت تشكل عائقاً يكبل تحركات المؤسسة ويحدد خياراتها...