نصيحة من بوتين إلى «بوتين في عام 2000»
عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤتمره الصحفي السنوي يوم الخميس ليضيء على بعض منجزات العام الجاري، ورؤيته للتطورات الجارية في روسيا والعالم، وتحضيراً لخوضه الانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة كمستقل.. نذكر أهم ما جاء فيه.
بدأ بوتين حديثه عن الاقتصاد الداخلي لروسيا، مؤكداً أن الناتج المحلي الإجمالي قد ارتفع بنسبة 3.5% خلال هذا العام، فيما وصل التضخم إلى 7%، ونمت كل من الصناعة 6% والاستثمار 10%، وأن الدين الخارجي قد انخفض من 46 إلى 32 مليار دولار، وأن نسبة البطالة في البلاد أصبحت 2.9% مع نمو دخل المواطنين الروس، وكل ذلك يجري وسط أزمة اقتصادية عالمية، وعقوبات غربية عديدة وكثيرة (أمريكية وأوروبية ويابانية) على روسيا.
وفي الملف الأوكراني، أشار بوتين إلى أن المشكلات مع أوروبا وصولاً للقطيعة معها قد بدأت عقب الانقلاب في أوكرانيا في عام 2014 متهماً الولايات المتحدة الأمريكية بالوقوف خلفه، وقال: «لقد كان جنوب شرق أوكرانيا بأكمله موالياً لروسيا دائماً. لأن هذه المنطقة، هي أراض روسية تاريخياً. بنتيجة الحروب الروسية-التركية، باتت منطقة البحر الأسود بأكملها تابعة لروسيا. ما علاقة أوكرانيا بها؟ لا علاقة لها بتاتاً بالقرم، ولا بمنطقة البحر الأسود. بشكل عام، أوديسا هي مدينة روسية. نحن نعرف ذلك. الجميع يعرف ذلك جيداً. لكنهم رغم ذلك اختلقوا كل أنواع الهراء التاريخي» واعتبر، أن «السياسة الإمبراطورية المطلقة، التي تنتهجها الولايات المتحدة تعيقها نفسها أكثر مما تعيق الدول الأخرى، بما فيها روسيا»، وأكد: إن «السلام سيتحقق عندما نصل إلى أهدافنا التي لم تتغير، وهي اجتثاث النازية في أوكرانيا، ونزع سلاح الدولة الأوكرانية، والوضع الحيادي لها».
سأحذر نفسي
وقال الرئيس الروسي: «لو أتيحت لي الفرصة بالعودة عبر الزمن، فسأعود للعام 2000، وأحذر نفسي من السذاجة ووضع الثقة المفرطة بالغرب» محملاً الأوروبيين مسؤولية تدهور العلاقات مع روسيا، معتبراً أن إعادة العلاقات لا تتوقف عند الجهود الروسية فقط، فهي لم تكن الطرف الذي أفسدها، وأكد بوتين مرة، أن روسيا مستعدة لبناء علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
كما تطرق بوتين للوضع الفلسطيني والحرب الجارية على غزة حالياً، قائلاً: «كل الحاضرين هنا وفي جميع أنحاء العالم يقارنون بين يجري في العملية العسكرية الخاصة، وما يجري في غزة» بمقارنة تعكس كل شيء، من الحق بالدفاع عن النفس، إلى الجوانب والأهداف السياسية والعسكرية التي لم يحقق الكيان الصهيوني شيئاً منها. وحول الأمم المتحدة قال: «الأمين العام وصف غزة بأنها مقبرة الأطفال الأكبر في العالم. فيما يخص دور الأمم المتحدة، لا يوجد شيء غير اعتيادي. تحدثت عن ذلك من قبل، هناك دول تعيق القرارات التي تقترحها دول أخرى».
مجمل حديث الرئيس الروسي، ارتكز على محاربة الهيمنة الغربية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وبقدر ما أن هذا الحديث يتعلق بالصراع الخارجي، فإنه يتعلق بالصراع الداخلي كذلك، وبدرجة أهم، بمواجهة التيار الداعم للغربيين داخل روسيا نفسها، والذي تضرر بشدة مع نتائج المعركة الأوكرانية، ومجمل التطورات الدولية الحالية، فالنصيحة التي يتمنى بوتين لو كان يستطيع توجيهها لنفسه عام 2000 تشير إلى مسألتين أساسيتين، الأولى: أن جزءاً من مفاصل القرار في روسيا كان يعتقد واهماً أنه قادر على تطوير علاقات جيدة مع الغرب، تحفظ مصالح الطرفين، ليتبين لاحقاً أن ذلك مستحيل، وتحديداً في ظل السياسة الأمريكية الموضوعة لاستهداف روسيا واحتوائها، أما المسألة الأخرى: ترتبط بكون «النصيحة» هذه صالحة للحظة الراهنة داخل روسيا اليوم، التي يبدو أن أوهاماً من هذا النوع لا تزال موجودة إلى درجة ما، وفي مفاصل مهمة من جهاز الدولة، لا شك أن أصحاب هذه القناعات تلقوا ضربة جدية منذ بدأت الحرب في أوكرانيا، إلا أن المهمة لم تستكمل بعد، ويجب أن تظل هذه «النصيحة» عنواناً أساسياً للمرحلة الحالية، لكون ذلك الضمانة الوحيدة لروسيا لتحقيق التطور المطلوب، الذي يتناسب مع حجمها وإمكاناتها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1153