احتجاجات فرنسا... هدوء مؤقت
ملاذ سعد ملاذ سعد

احتجاجات فرنسا... هدوء مؤقت

يمكن القول: إن موجة الاحتجاجات الفرنسية الأخيرة قد انتهت، بيد أن ما جرى خلالها وما نتج عنها يشير إلى أن الموجات القادمة لن تكون أقل أو أصغر من سابقاتها.

تعكس هذه الاحتجاجات الفرنسية وجود درجة متدنية من الرضا الاجتماعي، في الشقّين الاقتصادي الاجتماعي والديمقراطي، وهي إن تجد تعبيراتها في فرنسا بشكل أكبر وأكثر تواتراً من باقي الدول الأوروبية، نظراً لظروف البلاد الخاصة الآن أو تاريخياً، إلا أنها بالعمق تعبّر عن حالة موجودة لدى أغلبية الشعوب الأوروبية.

جذور المشكلة

لا يمكن القول: إن السلطات الفرنسية استطاعت تطويق الموجة وحسرها، وذلك على الرغم من القمع وحملات الاعتقال والمواجهات العنيفة التي استمرت أسبوعين ما بين المحتجين والقوى الأمنية، بل إن الهدوء الذي جرى ويستمر حتى الآن يعد طبيعياً بالنسبة للحالة الفرنسية بكل الموجات السابقة، والذي يجري عبر تدخل الأحزاب السياسية ونقابات العمال، وإن بشكل غير مباشر أو رسمي بتهدئتها للحدّ من احتمالات حدوث فوضى قد تخرج عن السيطرة، وتودي باتجاهات خطيرة بالنسبة للبلاد ككل.

حقيقة، أن الحكومة الفرنسية لا تمتلك وغير قادرة عن تقديم أية تنازلات أو إجراء أية تغييرات أو القيام بأية حلول تفضي إلى خفض حالة عدم الرضا المذكورة، بل العكس عملياً، لن تؤدي سوى إلى احتقان شعبي أعلى وموجات نشاط سياسي أعلى مستقبلاً.

بالنسبة للفرنسيين وعموم الشعوب الأوروبية، يكمن التحدّي بإيجاد مشروع سياسي بديل ومكتمل لتحارب به. فما يجري حتى الآن، يتمثل بوصفه إما ردود أفعال تجاه حدث ما كمقتل الشاب ناهل، أو تجاه قرار ما كرفع أسعار المحروقات سابقاً، وغيرها، كشرارة تطلق تعبيرات الاحتقان الموجود، أو إضرابات واحتجاجات منظمة لها طابع اقتصادي يتعلق بالأجور أو شروط العمل، بينما يكاد يكون النشاط السياسي المنظم والحامل لمشروع تغييري بمؤشرات متواضعة حتى الآن، وتهيمن عليه التيارات المسماة «يسارياً» ويغلب عليها المنظمات غير الحكومية باتجاهاتها العديدة والمتنوعة.

إجراءات بالتزامن مع «الباستيل»

خلال العيد الوطني الفرنسي «الباستيل» يوم الجمعة عبّأت السلطة الفرنسية قرابة 45 ألف عنصر شرطة انتشروا في أرجاء البلاد استعداداً لأية احتجاجات قد تندلع، وربما كان الإعلان عن أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لن يلقي خطاباً بهذه المناسبة كما جرت العادة عاملاً مهدئاً.

بعد سقوط رواية «المهاجرين» وعدم تمكن الحكومة من تحميل ما يجري على هذا الموضوع فقط، انتقلت السمة العامة لوصف التظاهرات بـ«الاحتجاج على عنف الشرطة»، وهي محاولة سياسية وإعلامية أخرى لتقزيم ما يجري لهذا الحد... بينما ينطوي عمق ووسع المشكلة الجارية في أوروبا عموماً على تناقضٍ ما بين الشعوب والأنظمة الاقتصادية- الاجتماعية الموجودة في هذه البلاد، والتي لا خيار أمامها سوى انتزاع المزيد من حقوق شعوبها ورفاهيتهم، التي اعتادوا عليها خلال الأزمة الدولية الجارية وتراجع الهيمنة الغربية ككل، بل أكثر من ذلك، أن من كانوا مُستعمرين فيما مضى، وانتقلوا لأشكال استعمار جديدة بقيادة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، ينتقلون الآن ليكونوا أشبه بالمستعمرات المهيمن عليها من قبل واشنطن لتخدم مصالحهم قدر الإمكان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1131
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:10