استمرار وجود القوى الأجنبية يهدد المسار السياسي الليبي
مع السير في إطار التسوية السياسية في ليبيا يتضح شيئاً فشيئاً أمام جميع الأطراف المنخرطة أن موضوعة استمرار وجود قوات أجنبية داخل أراضي البلاد هو معرقل رئيسي، وتهديد ينذر بعودة التوترات العسكرية بما يضر بجهود الحل المبذولة برمتها حتى الآن، بل وقد ينسفها.
في الإطار العسكري برمته يوجد خلافان أساسيان ومرتبطان ببعضهما البعض، الأول: يتعلق بوحدة المؤسسة العسكرية داخل البلاد، وإنهاء حالة الانقسام بين مختلف القوى، وضمها تحت قيادة واحدة ممثلة بالحكومة عبر حقيبة الدفاع. والثانية: استمرار تواجد القوات الأجنبية، والتي أكثرها إشكاليةً كما يتبين هو الجانب التركي.
يرتبط هذان الخلافان بطبيعة الأزمة الليبية، وما أفرزته من اصطفافات وانقسامات ما قبل بدء العملية السياسية، بين إقليمَي البلاد شرقاً وغرباً، بين الجيش الليبي والجيش الوطني الذي كان مرتبطاً بحكومة الوفاق السابقة، ومعهما القوتين الإقليميتين تركيا ومصر بشكل أساس.
مع تطور أزمة البلاد، دأب الجانب التركي على توقيع العديد من الاتفاقات السياسية والعسكرية مع حكومة الوفاق الوطني السابقة، والتي كان من بينها ترسيم الحدود البحرية والتعاون العسكري بالإضافة إلى جملة من الاتفاقات التجارية والاقتصادية التي تضمن لتركيا مصالحاً لها في ليبيا ما بعد الحل، خلافاً لكيفية دخول باقي الأطراف الأخرى وفق حالة «الأمر الواقع» وما فرضته موازين القوى، وتعود إشكالية الطرف التركي بأن اتفاقاته وقعت مع طرفٍ واحد من الأطراف المتعددة ضمن الأزمة الليبية، فضلاً عن أن هذا الطرف لم يكن معترفاً به كممثلٍ عن ليبيا والليبيين من قبل الجميع، لا في داخل البلاد ولا خارجها، فبينما يحلو للبعض تصوير أن التدخل التركي قد كان قانونياً وشرعياً بناء على تلك الاتفاقات، يراه آخرون كثر بوصفه باطلاً لأنه أساساً جرى بالتنسيق مع جهة لا يوجد توافق ليبي وطني حولها، إضافة إلى التوافق الدولي.
والإشكالية القائمة تكمن بأن موضوعة إخراج كل القوى الأجنبية الأخرى لا تشكل عائقاً أمام الليبيين، فحالة «الأمر الواقع» تلك قد تغيرت، وينشأ واقع جديد متمثل بالمضي نحو التسوية والحل الوطني الشامل، ولا يبرر استمرار هذا الوجود بالنسبة لتلك القوى سوى إشكالية التواجد التركي نفسه، والذي يختبئ خلف الاتفاقات «الأحادية» السابقة، وهذه المسألة بدورها تحافظ على حالة انقسام القوى العسكرية الليبية وتمنع توحدها.
وحدة الجيش الليبي والمؤسسة العسكرية
في التاسع من الشهر الجاري قال قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، بأن «هذا الجيش لن يكون خاضعاً لأية سلطة» وأن «الجيش لم يقبل التوقيع على اتفاقيات الذل»، وقد فسر العديدون موقف حفتر بأنه من جهة أولى ردّ فعلٍ على استمرار التواجد العسكري التركي وتدخلاته، وبناءً عليه يرفض تسليم جيشه إلى الحكومة الوطنية الانتقالية، ومن جهة أخرى هي محاولة للحفاظ على مكانته، وعلى ضمانة لتمثيله ضمن العملية السياسية، حيث يرى البعض بأنه يحاول تسلّم حقيبة الدفاع، إلا أن هذا الأمر حقيقة يعدّ إشكالاً ثانوياً أمام مهمة توحيد المؤسسة العسكرية.
على إثر هذا التصريح وصياغته المضرة عملياً بالتسوية السياسية ككل، والتصعيدية، رد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد دبيبة بالقول: إنه «لا يمكن للجيش أن ينتسب لشخص مهما كانت صفته» إلا أنه أيضاً أقدم على تصعيد مواز قائلاً: «لا يمكن أن تطلق صفة الوطنية على جيش دمر العاصمة وشرد سكانها، كما لا يمكن لأي جيش وطني أن يرهب وطنه ومدنه تحت أي سبب كان» ... وشدد المجلس الأعلى للدولة في ليبيا على ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية ومنع التفرد بالسلطة.
وبين هذا وذاك برزت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 كحل وسط، وأعلنت مسائل هامة في الـ 14 من الشهر الجاري، كان أولها: توصلها لاتفاق على خطة عاجلة لإخراج القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب بلا استثناء، وأضافت «نطالب الحكومة والمجلس الرئاسي بتجميد أي اتفاق مع أية دولة كانت» وحذرت من أن عدم تعيين وزير للدفاع حتى الآن قد يؤدي على خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وتجدد الحرب، ومطالبة بإعادة تبعية 8 جهات أمنية وعسكرية إلى رئاسة الأركان العامة، كما حملت ملتقى الحوار الوطني الليبي أي عواقب قد تؤدي إلى خرق اتفاق وقف إطلاق النار.
ولكن، هذا الكلام لم يرق لبعض الأطراف التي كانت تعود لحكومة الوفاق الوطني السابقة وارتباطاتها مع تركيا، لتعلن غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة الغربية: «نرفض وبشكل قاطع رسائل لجنة 5+5 الموجهة للبعثة الأممية والمجلس الرئاسي والحكومة التي طلبت تجميد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي أبرمتها الحكومة الشرعية السابقة» وقالت: إن «تعيين وزير للدفاع من اختصاص المجلس الرئاسي والحكومة، وليس من اختصاص اللجنة (5+5)» علماً بأن اللجنة طالبت المجلس الرئاسي بحل هذه المشكلة، وليس طرح أحدٍ لتعيينه، مما يعني أنها لم تتجاوز اختصاصها عملياً.
إثر هذه المناوشات قامت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بدعوة جميع الأطراف إلى الحفاظ على التهدئة والاستقرار في البلاد.
المنقوش في روسيا وموقف الأخيرة من 5+5
قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء منقوش في موسكو: «أكدنا دعم روسيا لتلك القرارات التي تتخذ في إطار اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، بما في ذلك القرارات التي اتخذتها في اجتماعها قبل خمسة أيام، ومنها ضرورة انسحاب كافة القوات العسكرية الأجنبية بلا استثناء من ليبيا» وقد أكدت المنقوش على دور روسيا فيما يخص العملية السياسية ودورها الإيجابي بوقف إطلاق النار.
وفي وقت لاحق قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في موسكو، أن على «المجتمع الدولي أن يواصل الحوار مع كل القوى السياسية التي تتمتع بنفوذ في ليبيا للحفاظ على هذه النتائج الإيجابية وتطويرها إلى المستوى الذي لم يتم تحقيقه بعد».
ويرى العديد، أن هذه التصريحات الروسية رغم أنها تخص جميع الأطراف داخلياً وخارجياً على العموم، إلا أنها أيضاً تتعلق بالجانب التركي خاصةً، كضغطٍ لخروجه بشكلٍ كامل، وقد دعا الجانب الروسي أن يجري هذا الخروج بشكل متوازٍ لجميع القوى الأجنبية.
أما على الصعيد الميداني، فتستمر خطوات المصالحة الوطنية، حيث أفرج عن دفعة من المحتجزين وتم تبادلهم، وقال عضو اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 بأنه سيتم الإفراج عن كل المحتجزين في شرق البلاد وغربها، وسط ترحيب الأمم المتحدة بهذه الخطوات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1032