احتجاجات الغرب تعرّي ضعف المنظومة
عتاب منصور عتاب منصور

احتجاجات الغرب تعرّي ضعف المنظومة

يطرح ما يجري في العالم اليوم مجموعة من الأسئلة لم يعد بالإمكان حصرها، هل فيروس هو السبب في كل ما نشهده اليوم؟ هل ستعود الحياة كما كانت أم أننا نشهد لحظة تحوّل؟ ولكن السؤال الأهم الذي سيهيمن على العالم قريباً: هل يمكننا تجنب ما يحدث اليوم في المستقبل؟

تقول آخر الأرقام أن هذا الوباء العالمي الذي حصد أرواح أكثر من 22 ألف شخص حتى اللحظة، أجبر أكثر من ثلاثة مليارات شخص ملازمة بيوتهم، أي نصف تعداد سكان الأرض تقريباً، وهنا تظهر مشكلة النظام العالمي الذي ظهر عاجزاً عن التعامل مع مشكلة بهذا الحجم، مليارات البشر سيصرفون مدخراتهم القليلة إن كانت موجودة أصلا، ويخسر الملايين فرص عملهم التي كانت تكفيهم حدّ كفاف يومهم، وسيرتفع هذا الرقم كل يوم فنحن مقبلون على أعنف أزمة بطالة في تاريخ البشرية، ولكن كارثه كهذه لن تمر دون فتح كل الدفاتر القديمة، فالشعوب باتت اليوم مضطرةً لأن تسأل عن كل البضائع التي أنتجتها المعامل طوال قرون مضت، وتبدأ الإضرابات والاحتجاجات العالمية، فأرباب العمل يجبرون العمال على العمل وهو ما يعرض صحتهم وصحة عوائلهم للخطر أو يجري فصلهم «مؤقتاً».

لمحة عالمية سريعة

لا تتوفر في أنحاء أوروبا الاختبارات والرعاية الصحية لكتلة واسعة من العمال، الذين يُطلب منهم في كثير من الأحيان تناول المسكنات والانتظار في المنزل. وهو ما حدث مثلاً مع إحدى العاملات جنوب لندن، كايلا ويليامز، وهي أم لثلاثة أطفال، أخبرها المسعفون أنه لا يمكن إدخالها إلى المستشفى لأنها «ليست أولوية»، لتفارق الحياة في اليوم التالي.
ونفذ عمال المعادن في منطقتي ميلانو وروما في إيطاليا إضراباً ليومٍ واحد دعت إليه النقابات للمطالبة بالتأمين الصحي، في وقت تتواصل فيها إضرابات عمال شركة «أمازون»، ويتجهز عمالٌ آخرون ما زالوا مجبرين على العمل في قطاعات البريد والبقالة والبنوك للإضراب، مطالبين بتأمين حماية ومعدات مناسبة.
وبالمثل، يطالب عمال شركة «أمازون» في بعض مناطق فرنسا بالحق في الحصول على إجازات مدفوعة الأجر نظراً للتهديد الوشيك على حياة العمال، وهو حقّ من المفترض أنه مضمون بموجب القانون الفرنسي. في وقتٍ تشمل فيه الاحتجاجات مصانع psa وتويوتا، ورينو، وبومباردييه، وحوض بناء السفن شانتييه دو لاتلونتيك.
ونفذ عمال النظافة في ولاية بنسلفانيا الأمريكية إضراباً عاماً بسبب المخاوف من أن بعض العمال أصيبوا فعلاً بالفيروس، ورغم ذلك لم يتم تأمين لوازم الحماية الصحية لهم.
كما رفض أكثر من ثلثي بناة السفن في شركة «باث آيرون وركس» التي تنتج سفناً عسكرية وتجارية في ولاية مين شمال شرق الولايات المتحدة الذهاب إلى العمل، بعد اكتشاف إصابة مؤكدة بين العمال بفيروس كورونا، وذلك بعد أن أصدر البيت الأبيض توجيهات لمقاولي الدفاع بمواصلة العمل بشكلٍ طبيعي في الشركة «من أجل مصلحة الأمن القومي الأمريكي».
ورفض عمال النقل العام في ولاية ألآباما تشغيل حافلاتهم خوفاً من انتقال عدوى كورونا إليهم، ونفذوا إضراباً نجح في دفع هيئة النقل لاتخاذ تدابير متواضعة، مثل: تخفيض عدد ركاب الحافلة الواحدة إلى 15 راكباً مما يخفف من انتشار الفيروس.
ونفذ عمال الدواجن واللحوم في ولاية جورجيا الأمريكية تظاهرات عدة طالبوا خلالها بظروف عمل صحية، وتعويض عن خطورة العمل، وذلك بعد تأكيد إصابة عدد من العمال بالفيروس.

هل من مخرج؟

تتمنى الأنظمة اليوم عودة الزمن إلى الوراء فالمجهول المخيف الذي طالما أخافت شعوبها به أصبح كابوساً يومياً يحرمها النوم، فالوقت الطويل والذي مرّ دون حساب انتهى أخيراً، ما سيجري الآن هو صدامٌ على الثروة المكدسة بأيدي قلة قليلة، ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة الأمريكية من ما يقارب 250 ألف إلى أكثر من ثلاثة ملايين في شهر واحد، يعني أن أضعاف هذا الرقم لن يستطيعوا سداد ديونهم ولن يستطيعوا دفع أجرة بيوتهم وثمن طعامهم، وهذا لن يكون ظاهرة محلية أمريكية أو أوروبية بل هو ظاهرة عالمية، فالدول التي لا تزال قادرة على دفع رواتب بطالة لمواطنيها، لن تستطيع الاستمرار، فالمشكلة أكبر من انتشار فيروس، فالاقتصاد العالمي المترنح تلقّى على ما يبدو ضربةً قاضية، لن تُحل إلا باسترداد الثروات المنهوبة وبقلب طاولات «مجالس الإدارة» .

معلومات إضافية

العدد رقم:
959
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 14:58