بعيداً عن «أضواء كورونا»... أمريكا تنسحب من العراق بهدوء
منذ أن طغى وباء كورونا على الساحة الإعلامية، اختبأت ومُررت خلفه العديد من الأخبار والتطورات السياسية الجارية، وأحد الأمثلة الأبرز على هذا، كان التصعيد العسكري في العراق، وما نتج عنه من انسحاب للقوات الأمريكية من قاعدتها العسكرية غربي البلاد وتسليمها للجيش العراقي.
تصعيد سياسي
في العاشر من شهر آذار الحالي، أعلن البنتاغون عن «نيته» إرسال منظومة دفاع جوي إلى العراق، متجاهلاً بذلك موقف الشعب العراقي الرافض للوجود العسكري الأمريكي على أراضيه، والقرار البرلماني الملزم بطردهم، وتلقت القوات الأمريكية في المقابل ومنذ اغتيال قاسم سليماني العديد من الضربات العسكرية والهجمات الصاروخية الموجهة ضد قواعدهم طيلة الأشهر القريبة الماضية. ليكون إعلان نشر منظومة الدفاع، ورغم عدم واقعيته وإمكانيته في ظل هذه المعطيات، تصعيداً سياسياً ربما قام به الأمريكيون كـ«جس نبض» لمدى جدية رفض المنطقة لوجودهم، أو استفزازاً مقصوداً لصنع ردة فعل.
ردّ سريع
سواء كانت الغاية هذه أو تلك، فقد جاء الردُّ الميداني واضحاً من الأراضي العراقية في اليوم التالي مباشرةً، عبر الاستهداف العسكري لمعسكر التاجي الذي تستخدمه القوات الأمريكية، شمال العاصمة بغداد، وجاء هذا الاستهداف بـ 10 صواريخ «كاتيوشا» وفق ما أُعلن، وأدى إلى مقتل جنديين أمريكيين وآخر بريطاني، فضلاً عن باقي الإصابات.
إعلانٌ سريع
كان من الملفت هذه المرة، الإعلان الأمريكي السريع عن مقتل جنودهم على غير العادة، إذ أكدوا عبر تصريح من «القيادة المركزية الأمريكية» بأن الذين قتلوا هم من «أفراد الجيش».
ويشكل هذا الإعلان إذا ما نظر إليه من زاوية الانتخابات الأمريكية الجارية، ورقة يمكن استثمارها من قبل ترامب في مواجهة بايدن، ليكرر ترامب موقفه المعلن في حملته الأولى، مؤكداً أن الذهاب إلى العراق كان خطأً كبيراً، وهذا ما يخالف بايدن الذي كان من أكبر المباركين والمؤيدين لهذا الخطأ. ويمهد الإعلان عن مقتل الجنود الأمريكيين الطريق أكثر أمام الانسحاب الأمريكي القادم.
فقرة إعلامية
في ردهم على مقتل جنودهم، قام الأمريكيون في الـ13 من هذا الشهر، بغارات جوية على عدد من المناطق العراقية، وبحسب بيان وزارة الدفاع الأمريكية فإنها شنت «ضربات دفاعية دقيقة» على «خمسة مرافق لتخزين الأسلحة التي تستخدم لاستهداف القوات الأمريكية». في حين أوضح الجيش العراقي عبر بيان له بأن الضربات استهدفت 4 مواقع تابعة لقوات الشرطة والجيش والحشد الشعبي، ومقتل 3 عسكريين عراقيين وشرطيين ومدني واحد بسببها. لتكون بذلك، وبالمعنى العسكري ليست أكثر من دعاية إعلامية لحفظ ماء الوجه، ومن جانبٍ آخر تؤكد عجز واشنطن عن احتمال تصعيد جديد.
ردودٌ أخرى.. وانسحاب
يدفع الظرف المحيط والضغط الشعبي بالحكومة العراقية لرفض تواجد القوات الأمريكية مجدداً، وبشكل أعلى وأكبر هذه المرة، لتستدعي الخارجية العراقية السفيرين الأمريكي والبريطاني، ومطالبة الأمريكيين بتنفيذ قرار البرلمان العراقي المتعلق بخروجهم سريعاً. وفي تاريخ 17 آذار الجاري، أرسلت الخارجية العراقية رسالتين إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي تتعلق بالضربة الأمريكية الأخيرة وتواجد قوات أمريكية في البلاد، وقد صرح المتحدث باسم الخارجية العراقية، أحمد الصحاف: « وصفنا القصف الأمريكي بهذه الشكوى بأنه عمل عدائي، وخرق فاضح لشروط تواجد القوات الأمريكية في العراق».
بالتوازي مع هذا النشاط السياسي، استمرت الاستهدافات الميدانية الصاروخية على المعسكرات الأمريكية في العراق، ومن بينها معسكر التاجي نفسه شمالي بغداد ومعسكر بسماية في جنوبها، وباعترافات رسمية أمريكية أيضاً عن إصابة العديد من جنودهم. لنصل إلى 18/03، حين أعلنت غرفة العلميات المشتركة التابعة لقوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، انسحابها من قاعدة القائم الواقعة على الحدود العراقية السورية، وتسليمها للجيش العراقي. وبالتزامن مع خفض القوات، أعلن التحالف الدولي أيضاً في 19/03 عن تعليقه تدريب القوات العراقية بسبب «المخاوف من فيروس كورونا» حسب ما ادعى.
إن هذا الانسحاب الجزئي والرسمي للقوات الأمريكية، الآن، وبعد المواجهات العسكرية بينها وبين القوى العراقية لا يمكن النظر إليه من زاوية الانتخابات فقط، بل هو هزيمة كبيرة لواشنطن على كل المستويات، وليصبح الملف العراقي - بعد أزمة النفط وانهيار البورصة الأمريكية المتسارع، وبالهجمات المتكررة على القوات الأمريكية - عبئاً كبيراً على واشنطن لا مناص لها منه سوى خروجها تماماً، واللحظة الدولية الآن، المليئة بالأنباء والأخبار المتعلقة بالوباء الفيروسي، مناسبة لهكذا تمهيدات وانسحابات «عالسكيتي».
الاستثمار من «كورونا» محلياً
جاء وباء كورونا المستجدّ هديّة للحكومة العراقية في ظل الاحتجاجات الشعبية الممتدة منذ 5 أشهر، ، وضرورة تقليص التجمّعات للحد من انتشاره بطبيعة الحال، فقد أعلن سريعاً عن حظر تجوّل في عدد من المحافظات العراقية، ووجه كل من رئيسي الجمهورية والوزراء، برهم صالح وعادل عبد المهدي، طلباً إلى البرلمان لإعلان حالة الطورائ في البلاد لمدة 30 يوماً قابلة للتمديد، لتتمكن الحكومة، إثر انخفاض التظاهرات الشعبية، بتمرير رئيس وزراء جديد وتكليفه بتشكيل الحكومة المؤقتة.
كسابقيه... مع فارقٍ بسيط
بعد الفشل الحكومي السابق والمتكرر عن تشكيل الحكومة، بسبب رفض الحراك الشعبي بشكل أساسي لكل الأسماء المرشحة والمكلفة السابقة، قام الرئيس العراقي برهم صالح/ بتاريخ 17/03، بتمرير «عدنان الزرفي» رئيساً للحكومة المؤقتة ومكلفاً بتشكيلها، وسط تجاذبات سياسية حادة بين مختلف القوى السياسية العراقية حوله، بين مُقاطع ورافض. وبترحيب سريع من الأمم المتحدة والخارجية الأمريكية.
إن الزرفي لا يختلف عن سابقيه، ولن يصنع تقدماً بتشكيل الحكومة وسط هذه الظروف الحالية بين مختلف القوى العراقية بانقساماتها وخلافاتها، لكن الجديد حوله هو إعلانه عن التحضير للانتخابات ضمن مدة زمنية قد تطول حتى «سنة واحدة»، فالظرف الجديد الناشئ بالنسبة للحكومة العراقية على أكتاف «كورونا» وهدوء الاحتجاجات، يؤمن لها بعض الوقت من المماطلة في استحقاقاتها أمام الشعب العراقي، استحقاقات لن تكون أدنى من تغيير المنظومة بالكامل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 958