«عقوبات واشنطن» رصاصة على أقدامها
رشا النجار رشا النجار

«عقوبات واشنطن» رصاصة على أقدامها

تثبت الولايات المتحدة الأمريكية «لا إنسانيتها» جديداً، عبر قرارات أقل ما يُقال عنها أنها استفزازية وتشكل خطراً على البشرية، ففي ظلّ ما يعانيه العالم اليوم من انتشارٍ سريع لفيروس كورونا، وما أحدثهُ هذا الوباء من نتائج كارثية على الصعيد الإنساني والاقتصادي في مختلف الدّول، تستمر واشنطن بسلوكها العنجهي تجاه البلدان التي تتمرّد عليها، فتضيّق الحصار عليها أكثر عبر العقوبات، أو بالحدّ الأدنى ترفض مساعدتها في التصدّي للفيروس.

لعبت العقوبات الأمريكية دائماً دوراً معرقلاً لتظهير التوازن الدولي الجديد، وترى فيها واشنطن اليوم سلاحاً لا يمكن الاستغناء عنه حتى لو تسبب ذلك بمنع الإمدادات الطبية الضرورية التي تحتاجها جميع دول العالم اليوم.

إيران... «فوق الموت عصّة قبر»

بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا في إيران ووصول عدد المصابين فيها إلى ما يقارب الـ 20 ألف شخص حتى كتابة هذه السطور، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض مجموعة من العقوبات استهدفت فيها عدداً من الشركات في الإمارات والصين وجنوب إفريقيا، واستهدفت في حزمة عقوبات جديدة قطاع البتروكيماويات الإيرانية، وبناءً عليه اتّهمت إيران على لسان رئيسها حسن روحاني إدارة ترامب بـ «مناصرة» فيروس كورونا، فيما دعت روسيا الولايات المتحدة إلى رفع عقوباتها عن إيران فوراً، مؤكدةً أن «زمن الوباء العالمي ليس مناسباً لتصفية الحسابات الجيوسياسية، وخاصة أن لا أساس لهذه العقوبات، بل مفتعلة من قبل واشنطن بهدف تلبية طموحاتها».
وعلى الرغم من أنّ سياسة العقوبات الأمريكية المتّبعة ضد إيران وروسيا والصين وغيرها قد وحّدت صفوف هذه الدول، وعزّزت التعاون الاقتصادي بينها، وجعلتهم يبحثون عن بدائل جدّية في الوقت الذي ازدادت به العزلة الأمريكية عن العالم، إلّا أنه لا يمكن نكران حقيقة ما أصابته هذه العقوبات من شلل في الحركة التجارية ومن تراجعٍ ولو مؤقت في اقتصادات البلاد المعنية، ولا سيّما إيران التي طالتها أكثر من مئة حزمة من العقوبات منذ عامين. وقد كان للعقوبات الأخيرة تأثير كبير على الأزمة «الفيروسية» الجديدة، فقد قال وزير الصحة الإيراني سعيد نمكي بأنّ: «طهران اشترت عدة ملايين من الكمامات من بريطانيا لكنها امتنعت عن تسليمها بسبب العقوبات المفروضة على بلاده». وللمفارقة فقد قامت الصين في وقتٍ سابق بإرسال شحنة طبية تضم 23 مليون كمامة و2 مليون بدلة وقائية و10 آلاف جهاز لقياس درجة الحرارة.

صندوق النقد وازدواجية المعايير

أعلن صندوق النقد الدولي في الخامس من الشهر الحالي نيته مساعدة البلدان منخفضة الدخل في التصدي لفيروس كورونا، ورصده مساعدات بقيمة 50 مليار دولار، وفي ظلّ الصراع الشرس مع الفيروس سريع الانتشار، اضطرت فنزويلا لطلب المساعدة من صندوق النقد بقيمة 5 مليار دولار، وكانت المفاجأة بأن قوبل طلبها بالرفض، وقد علّق ممثل الصندوق على قرار منظمته، بالقول: «تفاعل صندوق النقد الدولي مع البلدان يحكمه اعتراف المجتمع الدولي بالحكومات. وفي حالة فينزويلا، لا وضوح حتى الآن». إلّا أن هذه الحجة لا يمكن أن تنطلي على طفلٍ صغير، فمن المعروف أن صندوق النقد بوصفه مؤسسة مسيسة تخضع لإملاءات الولايات المتحدة الأمريكية، ستستغل كل ما يمكن استغلاله من أجل التضييق على أعدائها، وهذا ما يبرّر السلوك التمييزي لديها، فالحالة شبيهة بإيران، «فنزويلا بلد يعاني حالياً من أزمة أسعار نفط، ونظامه الصحي سيئ، فما المانع من تضييق الخناق أكثر على نظام مادورو عبر رفض المساعدة؟» هذا هو لسان حال صندوق النقد، والولايات المتحدة من ورائه.

لماذا تفعل أمريكا كلّ هذا؟

تحاول الولايات المتحدة اليوم إبقاء الأمور على ما هي عليه في العالم، لا بل تحاول سحب البشرية إلى الوراء إن أمكن! وتنسى واشنطن بذلك أن الدول التي تضيق عليها الخناق أصبح أمامها أفق واسع، فتلعب الصين اليوم دوراً لن يكون من السهل نسيانه لأجيال قادمة، فهي تقدم مثلاً على التعاون العالمي في زمن الأزمات بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة، وتستطيع بكين اليوم احتضان أيتام واشنطن وتقدم لهم يد المعونة. ما يجري اليوم ما هو إلا رصاصة تطلقها واشنطن على أقدامها، فهي تدفع دول العالم للابتعاد عنها وبناء علاقات عالمية جديدة لن تلعب فيها واشنطن وبنكها الدولي دوراً محورياً كما كانت.

معلومات إضافية

العدد رقم:
958
آخر تعديل على الإثنين, 23 آذار/مارس 2020 13:41