ميونيخ للأمن مرواحة في المكان أم تراجع؟
استضافت ألمانيا «مؤتمر ميونيخ للأمن»، والذي عقد جلسته الأولى في 14 شباط، ويعتبر هذا المؤتمر من أضخم تجمعات صناع القرار في العالم، ويجري نقاش عدد كبير من القضايا الإستراتيجية التي «تشغل بال» المشاركين في هذا المؤتمر، لكن السؤال الأهم يبقى: هل يقدم مؤتمر ميونخ اليوم الإجابات عن الأسئلة المطروحة أم أنه بات مؤتمراً سنوياً للتأكيد على ثبات وعمق الخلافات في المعسكر الغربي؟
تطول قائمة المدعَوّين إلى هذا المؤتمر، وتشمل هذا العام كلاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، ووزراء خارجية كلٍ من روسيا والصين واليابان وتصل قائمة المدعوين إلى أكثر من 500 مشارك رفيع المستوى، يمثلون أكثر من 40 بلداً.
لا يمكننا في هذا المقال الإحاطة الشاملة بمجريات مؤتمر ميونخ، فيجب التوقف مطَّولاً عند العديد من النقاط والتقارير التي صدرت عنه، ولكن يمكننا استعراض بعضٍ من نقاط العلّام التي تمككنا من فهم نقاط الخلاف الأساسية.
جدول الأعمال
لابدَّ لنا لفهم جدول أعمال الدورة الـ 56 الحالية أن ننظر إلى عناوين أساسية جرى نقاشها في الدورة الماضية، التي كانت مؤشراً على وصول الخلافات إلى نقطة لم يعد من الممكن ضبطها، ففي العام الماضي شنَّت الولايات المتحدة الأمريكية حملة ضد الدول الأوروبية في محاولة لحثهم على زيادة إنفاقهم العسكري في حلف الناتو، وترافق هذا الهجوم مع دعوة أمريكية واضحة وصريحة للأوروبيين لكي يستعدوا لملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي. وامتدت خلافات العام الماضي إلى العام الحالي دون أن تشهد أي منها حلاً حقيقياً، وحملت الدورة الحالية مجموعة من العناوين الجديدة- القديمة:
ما هي درجة فاعلية الولايات المتحدة الأمريكية في الملفات الدولية العالقة؟ وهل تُظهر استعداداً للدفاع عن بلد حليف في الناتو؟ ما هو السبيل لتلعب أوروبا دوراً أكثر فاعلية على الساحة الدولية؟ هل هناك شراكة إستراتيجة حقيقية تجمع الدول الغربية اليوم؟ بالإضافة إلى نقاش حول تغيير الموازين على الساحة الدولية.
الإعلانات الصريحة
تميزت الكلمات والتصريحات في هذا العام بصراحتها وهجومها على الولايات المتحدة الأمركية والتباكي على تراجع الدور الأمريكي، وما يخلفه هذا من تحديات بالنسبة للدول الغربية، ففي الكلمة التي ألقاها الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير قال فيها إن واشنطن ترفض حتى فكرة وجود مجتمع دولي،ـ وتتحرك بدافع مصلحتها دون التفكير بمصلحة حلفائها، وقال إن شعار «أميركا أولاً» الذي أطلقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «هزّ النظام العالمي وأجج انعدام الأمن». وأضاف شتاينماير إنه لم يعد من النافع تعزيز عزلة البلدان الأوروبية بل على العكس، وقال إن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى «علاقة أفضل بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، وبين روسيا والاتحاد الأوروبي».
وفي السياق نفسه عبر الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون عن أسفه لضعف الغرب والإنكفاء «النسبي الأمريكي»، واعتبر الرئيس الفرنسي أنَّ سياسة التحدي التي انتهجتها أوروبا فى التعامل مع موسكو على مدى السنوات القليلة الماضية باءت بالفشل، مضيفاً أنه «لم يلمس لدى أيَّ من الحلفاء الاستعداد لمواجهة روسيا»، داعياً إلى حوارٍ أوسع مع روسيا.
التقرير الأمني
بغضِّ النظر عن التصريحات والسجالات التي كانت تدور في مؤتمر ميونخ يجدر بنا الإشارة إلى بعض ما ورد في «التقرير الأمني»، الذي يمكن اعتباره تعبيراً أولياً عن قراءة الغرب للوضع الدولي الراهن، فأكد التقرير على تراجع واشنطن عن دورها «كحارس للنظام الدولي» وأنَّها بذلك أفسحت المجال لقوى أخرى، مثل روسيا وتركيا وإيران لتلعب دوراً أكبر، في الوقت الذي يغيب فيه دور فعّال للاتحاد الأوروبي، وناقش التقرير مطولاً «ظاهرةً جديدة» وهي ظاهرة أفول الغرب ومستقبله المجهول وطبيعة التحديات التي تواجهه وكيف يمكن التصدي لها.
على الرغم من أنَّ الأفكار التي جرى ويجري تداولها في ميونخ تتقاطع مع مثيلاتها من دورة العام الماضي، إلَّا أنَّ عدم حلِّ الملفات الكبرى العالقة هو تراجع بحدّ ذاته، فإذا كانت الخطوات الأوروبية لملء «الفراغ» الناتج عن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال غير واضحة، أو لم تكتمل بعد، ويجري نقاشها والاختلاف حولها لعامين متتاليين، هذا لا يعني أنَّ الواقع سينتظر قادة الغرب لحل مشاكلهم، فالأمور تتطور والميزان الدولي المتغير، ولن ينتظر «حلول» مؤتمر ميونخ حتى يصبح واقعاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 953