المنظومة العراقية بين إعادة الإنتاج وانتهاء الصلاحية
مع بدء الحديث فعلياً عن إنهاء الوجود الأمريكي في العراق بعد الاستهداف الإيراني لقاعدتين عسكريتين أمريكيتين، دخل العراق مرحلة جديدة مفتوحة على احتمالين: توتير أعلى، أو انفراج أقرب.
أُعلن يوم السبت 1 شباط عن توافق الكتل النيابية العراقية على تكليف محمد توفيق علاوي رئيساً للحكومة بعد مجاذبات وتسويفات استمرت حوالي الشهرين، وسط رفض الشارع العراقي للعلاوي... جاء هذا «التوافق» بعد تسلسل عددٍ من الأحداث بدءاً من التصعيد العسكري الأمريكي منذ اغتيال سليماني واستهداف إيران للقاعدتين العسكريتين الأمريكيتين مع ما تبعه من إقرار البرلمان العراقي تشريعاً يقود نحو إنهاء الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، وعلى رأسه الأمريكي، وتعرض المواقع الأمريكية العسكرية والدبلوماسية إلى استهدافات صاروخية بشكل شبه يوميّ.
قبل وبعد
نشير إلى تتالي الأحداث السابق وتأثيره بمقارنته مع أزمة الحكومة العراقية قبلها، حيث كان مجلس النواب والرئيس برهم صالح، يتجاذبون ويترامون مسؤولية تحديد رئيس الحكومة المُقبل، وصولاً إلى مغادرة برهم صالح بغداد متوجهاً إلى أربيل دون توضيحات في حينه، ما أثار شكوكاً حول استقالته من عدمها، خاصة بعد تهديده بهذا الأمر بسبب الأزمة السياسية، لكن وبعد الصدام الأمريكي- الإيراني تكثفت الزيارات الدبلوماسية الأمريكية إلى العراق وكان من أواخرها لقاءات عبد المهدي وبرهم صالح ورئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني مع ترامب وبومبيو وجيفري وغيرهم، لتتحوّل تصريحات صالح نحو لهجة حاسمة تهدد بقيامه بعملية التكليف إذا ما فشل مجلس النواب مجدداً، ليسارع الأخير وخلال يومين إلى اعتماد علّاوي، والذي كما يبدو كان متفقاً عليه منذ حين.
تزكية أمريكية
لا يختلف علّاوي عن سابقيه بوصفه ابن منظومة التحاصص العراقية تاريخياً، ويعمل لصالحها، حيث كان نائباً ووزيراً للاتصالات منذ عام 2006، الأمر الذي يدركه الشارع العراقي ويُعلن موقفه الرافض له عشية تكليفه، إلا أن علّاوي الآن جاء نتيجة توازنٍ اضطراري بالحد الأدنى بين الكُتل بعد ضغطٍ أمريكي عُبَّر عنه بتصريحات برهم صالح نفسه، وبعد إعلان تكليفه، حاز على تزكية من الخارجية الأمريكية ببيان صدر عنها.
عناوين مختلفة لانسحاب فعلي
إن التواجد العسكري الأمريكي في العراق بدأ بالسير فعلياً نحو انتهائه وبشكل متسارع منذ اغتيال قاسم السليماني، حيث تتعرض القواعد العسكرية الأمريكية والسفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء إلى قصفٍ صاروخي بشكل شبه يوميّ ودون ردّ أمريكي أبعد من بيانات الاستنكار والإدانة، وسط تواتر أخبار متوازية معها تفيد بترحيل أعداد من القوات الأمريكية عبر المروحيات بسبب إصابتهم بهذه الصواريخ أو من الضربة الإيرانية السابقة، ليجري تحت هذا المسمى خفض عدد القوات دون إعلان واضح عن عملية انسحاب فعليّة. وفي المقابل، تجري المماطلة في عدم إعلان «الانسحاب» بذريعة تنشّط تنظيم «داعش» مجدداً، لتظهر تصريحات متعارضة بين وزارة الدفاع الأمريكية والحكومة العراقية على عودة استئناف العمليات العسكرية المشتركة ضد التنظيمات الإرهابية من عدمها، نضيف إلى ذلك أيضاً عمليات «إعادة التموضع» التي تجريها القوات الأمريكية.
إعادة تشكيل وإنتاج النظام؟
الخروج الأمريكي من العراق أمرٌ محتم تدركه واشنطن جيداً، وعليه فإنها تحاول الاستفادة من وجودها المؤقَّت الآن عبر محاولات إعادة تشكيل الوضع العراقي مجدداً بمنظومة التحاصص بالحد الأدنى، عبر تكليف علاوي رئيساً للحكومة وبدء عمله نحو تشكيلها، لشراء المزيد من الوقت، وصولاً إلى الانتخابات وإعادة إنتاج النظام لنفسه، وبالحد الأعلى محاولات تقسيم العراق عبر تأزيم الخلافات والتناقضات السياسية بين مختلف الكتل ضمن ثالوث التحاصص.
... أو انتهاؤه تماماً نحو التغيير
لكن بالنسبة للحراك العراقي، فإنه ومنذ انطلاقه قبل 4 أشهر وحتى الآن ما من جهة سياسية تعبّر عنه أو تمثله، ورغم هول القمع الجاري بحقه والتصعيد العسكري الأمريكي الأخير في بلاده، إلا أنه بقي مستمراً بنشاطه وفارضاً نفسه ووزنه في المعادلة... لا يمكن التنبؤ بكيفية تطور الأحداث، إلا أنّ السمت العام بالنسبة للتواجد الأمريكي لم يعد حيال إمكانية بقائه أو انسحابه، بل بات ضمن خط الانسحاب فعلياً، مما يجعل التحدي الأول الآن بالنسبة للعراقيين هو التصدي سياسياً واجتماعياً لمحاولات التوتير التي تعمل عليها واشنطن، ومع انسحابه، يصبح العمل على تغيير كامل بنية النظام العراقي في تياراته أمراً أكثر إمكانيةً وبيد الشعب العراقي ليديره.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 951