العراق ومرض «الإصلاح»
تُظهر الصورة العامة في العراق مع مرور الوقت تعقيداً أكثر على المستوى السياسي والأمني، مع بقاء الشعب العراقي ثابتاً باتجاهه ومطالبه رغم مختلف التهديدات والضغوط.
بالوقت الذي تتعقد فيه الأمور بين الحكومة العراقية والتيارات السياسية والمرجعية الدينية في العراق، تُضاف إليها المشاكل الأمنية، بدءاً من خلايا داعش الإرهابي غربي البلاد وليس انتهاءً بالميليشيات العسكرية المتنوعة، فضلاً عن التدخل الغربي والأمريكي المباشر بأوضاع البلاد وقراراته، لتقف «انتفاضة تشرين» العراقية وحيدةً في خط مواجهة مع كل هذه الظروف المحيطة بها وتحت قمع الجميع.
الحكومة في الدّوامة ذاتها
لا تزال الحكومة العراقية تعمل على المنطق ذاته منذ انطلاق الانتفاضة وحتى الآن، واضعةً نفسها في المواجهة مع الشعب، أملاً في قمعه نهائياً، وفي نفس الوقت تجد نفسها مضطرة لتقديم تنازلات مستمرة على الدوام بسبب الضغط الشعبي والسياسي عليها، وكان من بين هذه التنازلات الشكلية الأخيرة إصدار المحاكم المختصة بالنزاهة 377 قراراً بمختلف الأحكام بحق مسؤولين حكوميين، ثم إصدار قانون «من أين لك هذا؟» لمراقبة ممتلكات وعقارات المسؤولين الحكوميين وأصولها، وصولاً إلى إعلان رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، استقالته من منصبه قبل نحو أسبوع... لكن وعلى الرغم من هذه الإجراءات، إلّا أنها لم تُهدِّئ من قوة التظاهرات الشعبية أو تُرضي شيئاً منها.
مرض «الإصلاح»
أما القوى السياسية المتنوعة والمختلفة في البلاد بتصريحاتها ومبادراتها، فإنها جميعاً تدور في فلك «الإصلاحات» الحكومية، ليعلن المرجع الديني الأعلى في العراق، علي السيستاني، وبشكل متكرر عن «ضرورة إجراء إصلاحات في البلاد»، وطرح حيدر العبادي رئيس الوزراء السابق ورئيس ائتلاف «النصر» مبادرة وطنية من عدة بنود، تدور في إصلاح الحكومة بشكل أساس عبر حلها وإجراء انتخابات جديدة، وليس انتهاءً بتحالف «سائرون» والتيار الصدري الذين لا يخرجون في طرحهم عن الشكل الإصلاحي كحل سياسي لأوضاع وظروف البلاد... ليتفق الجميع– ورغم كل خلافاتهم– على نقطة مشتركة وحيدة، وهي «الإصلاح»
الحركة الشعبية
لا تزال التظاهرات والاعتصامات الشعبية تتعرض بشكل يوميّ لقمعٍ من قوات الأمن الحكومية ومجهولين، لكن ورغم استمرار الحراك لأكثر من شهرين حتى الآن، لم تستطع أية من القوى السياسية العراقية أن تأخذ اعترافاً شعبياً بها بسبب دوامة «الإصلاحات» تلك، فواقع اليوم وضروراته، وكما يعبر عنها المتظاهرون نفسهم، تتمثل بـ «تغيير» المنظومة العراقية برمّتها وليس التشكيلة الحكومية وحدها، بدءاً من دستور البلاد مروراً بصلاحيات السلطات الثلاث، وليس انتهاءً بمكافحة الفساد وتوزيع الثروة وإخراج القوات الأجنبية. لتتلخَّص مشكلة القوى السياسية تلك بوصفها جزءاً من المنظومة السياسية السائدة في البلاد، وتفكّر من داخلها. في الوقت الذي يتطلب فيه الظرف العراقي حلولاً من خارج هذه المنظومة لتدفع بعملية انتقالية إلى نظام جديد.
التدخل الأمريكي
يستمر العبث الأمريكي بالأحداث التي تجري في العراق بهدف تأجيج الصراع بتوجيهه نحو الطرف الإيراني تحديداً، حيث تتعاقب التصريحات والاتهامات الصادرة عن واشنطن إلى طهران أو الجهات العراقية الموالية لها بعمليات «القمع» والعنف الجارية في البلاد، وبين تصريحات الخارجية الأمريكية بفرض عقوبات على عدد من المسؤولين العراقيين والحشد الشعبي، والادّعاءات الإعلامية الداعمة للتظاهرات، يظهر المشهد مشوشاً بالنسبة للعراقيين، لكن وفي نفس الوقت، فإن ذروة التصعيد الأمريكي حول السلطة العراقية، لم تخرج عن الطرح الإصلاحي الذي تقول به مختلف القوى السياسية الأخرى، حيث أصدرت الخارجية الأمريكية بياناً تطالب فيه «الحكومة العراقية بإجراء إصلاحات تنفيذاً لمطالب المحتجين». ثم جاء تصريح رئيس وزراء حكومة الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، ليلخص الموقف الأمريكي حيال الحراك العراقي قائلاً «المظاهرات في لبنان والعراق وإيران تعطي فرصة كبيرة لتعزيز الضغط على النظام الإيراني».
الموقف الروسي
في المقابل، لم يدل السياسيون والدبلوماسيون الروس بأية تصريحات طوال فترة شهرين غير إبداء القلق وضرورة الحذر، إلا أنَّ تصاعد مستوى التدخل الأمريكي في المشهد السياسي في محاولةٍ لتأزيم الأوضاع، كان دافعاً على ما يبدو لنائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، ليعلن «استعداد موسكو لمساعدة العراق في محنته نحو إيجاد تسوية للأزمة»، وبعد استقالة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، تكلم المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزينا «نأمل عدم حدوث فراغ في السلطة». حيث إن فراغ السلطة في الظرف العراقي الحالي، بكل التعقيدات الجارية وعمليات العنف وعودة ظهور نشاط أعلى لـ«داعش» غربي البلاد، يهدد بالفوضى.
من بين الأطراف الإقليمية والدولية من طهران وموسكو وواشنطن، وحدها قاعدة «عين الأسد» العسكرية الأمريكية في محافظة الأنبار من تعرض إلى استهداف من 5 صواريخ على الأقل، وتضم القاعدة حوالي 320 مستشاراً عسكرياً أمريكياً، فضلاً عن مجموعة من العسكر البريطانيين، دون معرفة الجهة المستهدفة لها، لكن أياً كانت هذه الجهة، فإنها رسالة واضحة حيال رفض الوجود والتدخل الأمريكي في المنطقة بعد الآن، وإمكانية استهداف قواعده العسكرية جدياً ومن دون إشعارات مسبقة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 943