«BRICS»... تمضي دون توقف
استضافت البرازيل القمة السنوية لدول «البريكس»، والتي عقدت على مدار يومي 13 و14 من الشهر الجاري تشرين الثاني في العاصمة برازيليا، وصدر البيان الختامي مع انتهاء أعمال هذه القمة لتكون دول «البريكس» أنهت قمتها الحادية عشر بنجاح.
اجتمعت كل من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وجرى بحث أهم الملفات الدولية وآفاق التعاون بين دول المجموعة في المجلات كافة، وأكدت الدول الخمس في البيان الختامي لأعمال هذه القمة هدفهم المشترك بـ «بناء عالم يسوده السلام والاستقرار والازدهار» وكانت دول المجموعة عقدت فيما بينها أكثر من مئة لقاء خلال العام الماضي لنقاش السياسات المالية والتجارية والشؤون الخارجية والأمن، بالإضافة إلى مواضيع أخرى، مثل التكنولوجيا والاتصالات والزراعة والمناخ وغيرها...
نتائج وملامح عامة
رأت الدول المجتمعة في العاصمة البرازيلية، أن للبلدان النامية الحق في المشاركة في صنع القرارات والسياسات الدولية، وأعلنت تمسكها بالنظام العالمي متعدد الأقطاب، وأكدت مجدداً على ضرورة إصلاح المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي وغيرها، وذلك عبر زيادة التمثيل فيها، وجعلها «أكثر ديموقراطيةً وشمولاً» حسب ما جاء في البيان الختامي، الذي أكّد أيضاً على ضرورة الابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو فرض التدابير القسرية التي لا تستند إلى القانون الدولي.
وكان الرئيس الروسي قد أكد في حديثٍ أثناء القمة، أنه يجب على «دول بريكس أن تكون أكثر طموحاً لقيامها بالدور القيادي في الأمم المتحدة» مضيفاً أن «بريكس» تجاوزت في 2019 مجموعة الـ G7 من حيث حجم الإنتاج الإجمالي الداخلي ومعادلة القدرات الشرائية بنسبة 12%، أما الرئيس الصيني وفي كلمة ألقاها ضمن أعمال القمة التي تنعقد حسب تعبيره في وقت «يشهد تطورات حاسمة يمرّ بها الاقتصاد العالمي والساحة الدولية»، لفت الانتباه إلى تصاعد جولة جديدة من الثورة التكنولوجية والتحول الصناعي، وموضحاً أن تقدم الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، الذي لا يمكن وقفه، ضخ زخماً قوياً في إصلاح نظام الحوكمة الاقتصادية العالمية.
البرازيل والضرورات الوطنية
على الرغم من التقارب البرازيلي الأمريكي الذي بدأ مع وصول الرئيس اليميني جير بولسونارو إلى السلطة في أواخر العام الماضي، إلّا أن البرازيل وعند قراءتها للخارطة السياسية العالمية وانطلاقاً من مصالحها الوطنية البحتة، تبدو أكثر مرونة وبعداً عن الولايات المتحدة الأمريكية، فالتبادل التجاري مع دول «البريكس» وصل إلى 74 مليار دولار، وهو ما يشكل أكثر 30% من الصادرات البرازيلية، والتي تستورد الصين الجزء الأكبر منها، وفي تصريحات لبولسونارو في أثناء أعمال القمة أعلن وقوف بلاده على الحياد فيما يخص الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين فقال: «لا أدخل هذه الحرب التجارية. والبرازيل تتاجر مع الجميع»، وبعد أن كان الرئيس البرازيلي يُطلق تصريحات ناريّة اتجاه الصين في حملته الانتخابية إلا أنه يرى اليوم بوضوح أن الصين باتت «أكثر فأكثر جزءاً من مستقبل البرازيل» حسب تصريحاته، هذا وجرى الإعلان عن افتتاح مكتب إقليمي تابع لبنك البريكس في سان باولو، ليمارس نشاطه في تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة للدول الأعضاء.
روسيا والهند
على هامش هذه القمة، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لقاءً ثنائياً ناقش فيه الطرفان سير تنفيذ الاتفاقات الموقع بينهم، وأشار الرئيس الروسي في مؤتمره الصحفي الختامي إلى رغبة روسيا في توسيع التعاون مع الهند في المجالات كافة، واعتبر الرئيس الروسي أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والهند يجب تطويره، على الرغم من نسبته المتزايدة والتي وصلت إلى 18%، وفيما يتعلق بالتعاون العسكري بين البلدين وخصوصاً ملف توريد منظومة الدفاع الروسية الـ S-400 إلى الهند، أكد الرئيس الروسي، أن الأمور تجري حسب الاتفاق وضمن الجداول الزمنية المحددة لذلك، وكان وزير الدفاع الهندي في زيارة رسمية إلى موسكو قبيل انعقاد القمة وجاء في بيانٍ صادرٍ عن الحكومة الروسية تأكيداً بأن الهند عازمةٌ على «تطوير التعاون العسكري التقني مع روسيا رغم الضغط الأمريكي».
الملف السوري على الطاولة
كان الملف السوري أحد المواضيع الدولية التي جرى نقاشها في أعمال هذه القمة، وصاغ البيان الختامي في أحد بنوده موقف دول البريكس من آخر المتغيرات في ملف الأزمة السورية، وجاء فيه تأكيد الدول الخمس على سيادة واستقلال سورية ووحدة أراضيها، وأكدوا من جديد أن لا حلَّ عسكرياً لهذه الأزمة، وأعلنوا دعمهم للعملية السياسية السورية-السورية والتي يجب أن تجري بقيادة سورية، وتيسير من الأمم المتحدة وحسب القرار 2254، ورحب البيان الختامي بإنشاء اللجنة الدستورية، والدور الذي لعبه ثلاثي أستانا بإنشاء هذه اللجنة، ورحب أيضاً بمذكرة التفاهم الروسية التركية التي جرى التوقيع عليها في 22 تشرين الأول الماضي لإيجاد حل للتصعيد في الشمال الشرقي السوري. وفيما يخص الوضع في إدلب أشار البيان إلى ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، والذي لا يشمل الجماعات الإرهابية. وأشار البيان أيضاً إلى ضرورة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين وذلك دون شروط مسبقة.
في الختام
يطول البيان الختامي الصادر عن القمة ليشمل 73 بنداً، يوضح موقف دول المجموعة من كل القضايا الدولية، وبالإضافة إلى ما حمله البيان، تعد القمة حدثاً لتبادل الآراء ليس فقط ضمن قيادات دول الـ «البريكس»، وإنما مع الرأي العام العالمي. ولا يمكننا معالجة مخرجات القمة بشكل شامل ضمن هذه المادة، ولكن يجب الوقوف عند مفاصل مهمة:
تُظهر دول المجموعة تماسكاً كبيراً على الرغم من التباينات البسيطة في بعض القضايا، فالـ «بريكس» مصلحة حقيقية في هذا التحالف، وهي اليوم تشكل ثلث وزن العالم، وتعلن بشكل واضح عن حقهاً في المشاركة بإدارته، وهذا ما يبدو واضحاً في البنود الطويلة التي تتحدث عن إصلاح المؤسسات الدولية وحجم التمثيل فيها، ولتصريحات الرئيس الروسي دلالات كبيرة، تلك التي عبَّر فيها أن المجموعة ليست نادياً مغلقاً وإنما يمكن لها أن تتوسع أكثر.
«البريكس» لا ترفض الهيمنة الأمريكية فقط، بل أيضاً تقدم نموذجاً بات قادراً على تقديم الحلول والمخارج، فهي تملك قدرةً حقيقة للتمويل والاستثمار، وستكون قادرة على إيجاد بديل شامل لنظام SWIFT الأمريكي قريباً، بالإضافة إلى أنها أصبحت أكثر اعتماداً على عملاتها المحلية بدلاً عن الدولار.
البريكس بالأرقام
تضم دول البريكس كلاً من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا التي انضمت رسمياً لهذه المجموعة منذ العام 2011، وتشغل هذه الدول ثلث مساحة الكوكب تقريباً، وتستحوذ البريكس «الدول الأسرع نمواً في العالم»، على 55% من النمو العالمي، وتساهم في 36% من سوق الطاقة العالمي، والذي يتوقع أن تزيد من حصتها فيه لتصل في 2040 إلى حوالي 50%.
وحسب بيانات صندوق النقد الدولي، فإن حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول «بريكس» وفقاً لتعادل القوة الشرائية يبلغ 44,1 تريليون دولار وهذا يعني أنها باتت متفوقة على مجموعة السبعة الكبار G7، وفي تصريحات بمناسبة القمة الـ 11 للـ «بريكس»، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن «البريكس تعمل على رصد احتياطي مالي لدول المجموعة بقيمة 100 مليار دولار»
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 940