أمن الخليج ... السباق مستمر
رشا النجار رشا النجار

أمن الخليج ... السباق مستمر

ما زال موضوع الأمن في منطقة الخليج يشغلُ الأوساط الدولية ويحفّزها للعمل على عقد تحالفات واقتراح مبادرات من أجل تهدئة المنطقة، والتخفيف من حدّة الصراعات بين الأطراف المختلفة فيها، والتي ازدادت حدّتها بعد الأحداث الأخيرة التي عصفت في المنطقة، من حرب اليمن ونتائجها الكارثية، مروراً بحرب الناقلات ومضيق هرمز، وانتهاءً بهجمات «أرامكو» مجهولة الفاعل حتى اللحظة.

ونظراً لخطورة اشتعال المنطقة، وما يمكن أن تسببه من كوارث على المستوى الإقليمي والدولي، تتسابقُ الدول المعنية لتقديم مبادرات وإنشاء تحالفات من أجل ضمان الأمن وإخماد بوادر الانفجار المحتملة، وكانت قاسيون قد نشرت في العدد قبل الماضي عن سباق التحالفات الذي يحصل حول تأمين المنطقة، وضمن السياق نفسه واستكمالاً لهذه التحالفات، أتت المبادرة الروسية التي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال افتتاح أعمال الجلسة العامة لمنتدى فالداي للحوار الدولي، حيثُ دعا إلى إنشاء منظمة جديدة لضمان الأمن في منطقة الخليج تعمل بمشاركة كل من روسيا والصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

المصلحة الروسية

ليسَ خفيّاً على أحد بأنّ منطقة الخليج تعدّ من أهم المناطق في العالم من الناحية الجيوسياسية، فهي مصدر هامُّ لإنتاج النفط وتصديره، ومخزن احتياطي للغاز، إضافةً إلى كمّ الثروات الهائل الذي تحويه، سواءً بالمعنى المادّي أو العلمي والتقني، وبذلك تبدو المنطقة مغرية وشهيّة لأطماع من يريدون زرع الفوضى وإحداث البلبلة فيها طمعاً فيها من جهة، ومتنفّساً لأزماتها من جهةٍ ثانية، وهذا ما حدث بالفعل منذُ أن شنّت الولايات المتحدة الأمريكية حربها على العراق، وحتى إثارتها لحرب الناقلات وخروجها خاسرةً من كلّ ذلك، وبما أنّ المنطقة قريبة جغرافيّاً من روسيا والصين، فإنّ مسألة استقرارها تبدو من أولويات السياسة الخارجية لهذه الدول.
الملفت في المبادرة أيضاً، هو حضور جميع الدول ومن بينها المقتَرِح الروسي نفسه بصفة مراقب، أيّ إنّ ذلك يتناقض مع دعوة الأمريكي إلى إنشاء تحالف تكون الدول موجودة ضمنه بصفة مشارك وليس مراقب، بمعنى أنّ المبادرة الروسية وعبر دعوتها الأمريكي للمشاركة بصفة مراقب، تحيّد الدور الأمريكي معروف النوايا مسبقاً، وتأخذ بعين الاعتبار احترام السيادة الوطنية لدول الخليج، التي ينبغي عليها حل مشاكلها بنفسها عبر الحوار والتوافق السلمي.
تجدر الإشارة إلى أنّ المبادرة الروسية بخصوص أمن الخليج لم تكن الأولى من نوعها، فقد نشرت روسيا في الشهر السابع من العام الحالي مقترحاً من خمسة بنود لضمان الأمن الجماعي في الخليج، وتتضمن التدابير التالية: التخلي عن استخدام القوة في حل المسائل الخلافية، واحترام سيادة دول المنطقة وسلامة أراضيها، الحوار بشأن العقائد العسكرية وتبادل المعلومات بشأن القوات المسلحة وشراء الأسلحة، توقيع اتفاقية التحكم بانتشار الأسلحة، بما في ذلك على سبيل المثال إنشاء مناطق منزوعة السلاح، وحظر التكديس المزعزع للاستقرار للأسلحة التقليدية، وإبرام اتفاقات مكافحة الإرهاب الدولي والاتّجار غير المشروع بالأسلحة والهجرة والاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة.

ردود أفعال إيجابية ودعوات للحوار

كانت الصين من أولى المرحبّين بالمبادرة الروسية، حيث قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الصينية، قنغ شوانغ، أثناء مؤتمر صحفي له: «إن بكين تتابع عن كثب الوضع المعقد والحساس في الخليج» وتابع: «تأمين سلام واستقرار المنطقة يخدم المصالح المشتركة للمجتمع الدولي. وترحب الصين بجميع المبادرات والجهود الدبلوماسية التي من شأنها الإسهام في خفض التوتر بمنطقة الخليج، ونتطلع إلى البقاء على تواصل مع جميع الأطراف المعنية».
في الوقت نفسه، دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بلدان المنطقة إلى الحوار، حيث قال: إن «منطقتنا بحاجة إلى الحوار الداخلي أكثر من الميل نحو كيل الاتهامات والتنافس التسليحي وتكديس الأسلحة»، وأضاف ظريف إن مصير شعوب المنطقة، قد ارتبط وتشابك بعضه ببعض، وإن الأمن لا يمكن تجزئته وتفكيكه، فإما أن ينعم الجميع بالأمان أو أن ينحرم الجميع منه. وكانت إيران قد رحّبت بالخطوة التي اتخذتها السعودية فيما يخصّ موافقتها على دعوة الحوثيين لوقف إطلاق النار، حيث قال مدير مكتب روحاني، محمود واعظي، في تصريح أدلى به على هامش اجتماع الحكومة، إن المملكة على مدى السنوات الماضية «كانت تعتقد أنها تستطيع ابتلاع اليمن وتحقيق هدفها خلال فترة قصيرة من خلال التحالف الذي شكلته»، مضيفاً أن «السعوديين بعد خمس سنوات خلصوا إلى استنتاج مفاده أن الحرب لا يمكنها تحديد المصير».

بوادر هدوء؟

ما تشيرُ إليه التصريحات والمبادرات تشي بحدوث إجماع شبه دولي على أهمية العمل الحثيث لتحقيق الأمن في الخليج، ولكن كما تحدّثنا في مقالاتٍ سابقة، فإنه من المبكّر الحكم على أيّة مبادرة حالية حتى نرى نتائجها على أرض الواقع، ومع ذلك وبالنظر إلى الخط البياني المتصاعد في العلاقات بين إيران ودول الخليج، والمبادرات المساهمة والداعمة لمبدأ التسوية السياسية والحوار، وبالتوازي مع حدوث ذلك كله ضمن أجواء دولية مساعدة، يبدو الأفق مفتوحاً أمام حل الخلافات الحالية، رغم كل ما يمكن أن يعترض هذا الطريق من صعوبات

معلومات إضافية

العدد رقم:
935
آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين1/أكتوير 2019 13:46