غاز شرق المتوسط: من نعمة إلى نقمة؟
أُعلن في القاهرة، يوم 14 من الشهر الجاري عن تأسيس «منتدى غاز شرق المتوسط»، بحضور وزراء الطاقة عن سبع دول وهي مصر، السلطة الفلسطينية، الكيان الصهيوني، الأردن، اليونان، قبرص، إيطاليا. وفي حين قد يبدو إنشاء هكذا منتدى خبراً ساراً، من شأنه استثمار حقول البحر المتوسط بما يعود نفعاً على الدول المطلة عليه، إلّا أن مشاركة الكيان الصهيوني في المنتدى يجعل منه بوابة للتطبيع، فكيف يمكن قراءة هذا الإعلان ضمن سياق الصراع على موارد الطاقة وتغير الموازين الدولية؟
حسب بيان لوزارة البترول المصرية فإن الأهداف المتوخاة من المنتدى هي: العمل على إنشاء سوق غاز إقليمية، وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية. كما يمكن لغير الدول المؤسسة، من دول شرق المتوسط المنتجة أو المستهلكة للغاز، أو دول العبور، الانضمام لعضوية المنتدى لاحقاً وفقاً للبيان.
الغاز في سياق المنافسة الإقليمية
يبدو أن مصر من خلال استضافتها للمنتدى، بالإضافة إلى تحركاتها السابقة في هذا السياق، تسعى للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة في المنطقة. وخاصة في ظل التنافس المصري التركي على هذا الصعيد. فتركيا التي تتعاون مع روسيا من خلال خط «السيل التركي»، الذي من شأنه تسهيل إيصال الغاز الروسي إلى أوروبا، تعارض الخطوات المتعلقة بالغاز الطبيعي في البحر المتوسط، إذ أبدت اعتراضها سابقاً على اتفاقية موقعة بين مصر وقبرص عام 2013 لإعادة ترسيم الحدود البحرية واستغلال الموارد النفطية، وبالأخذ بعين الاعتبار التوتر المتزايد مع اليونان إثر النزاعات في المياه الاقليمية، بحر ايجة والبحر المتوسط، فإنّ الطموح التركي في مجال الطاقة قد يصبح معيقاً لنجاح أهداف المنتدى.
الغاز: بوابة للتطبيع؟
إن الطموح المصري لاستثمار الغاز في الإقليم هو طموح مشروع ويصّب في مصلحة شعوب المنطقة، إلّا أن إشراك الكيان الصهيوني وتعميم التجربة المصرية بالتعاون مع الكيان في هذا المجال وتصدير الغاز المصري له بأسعار رخيصة هو أمر غير مشروع، من شأنه أن يحوّل ثروات المنطقة من فرصة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى ترسيخ للاحتلال وتمكينه.
وعلى العكس من ذلك، يمكن الاستفادة من موارد الطاقة في المنطقة بطريقة أخرى في إطار الصراع مع الاحتلال، واستخدام هذه الورقة في مقاومة الكيان وعزله، وليس تحويله إلى ملف تعاونٍ ومجالٍ للتطبيع وإدماجٍ الكيان في أطرٍ اقتصادية.
تحركات لاستثمار غاز شرق المتوسط
مع ازياد الحديث عن حقول جديدة مكتشفة في منطقة البحر المتوسط، فإن التحركات تتسارع للاستفادة منها في إطار التغيرات الدولية الجارية.
ففي نهاية عام 2017 حدث لقاء بين وزراء الطاقة لدول : إيطاليا- قبرص- اليونان- الكيان الصهيوني، بهدف دراسة اقتراح مشروع خط أنابيب عبر البحر المتوسط، لكنهم وجدوا العقبة في تركيا. وقبل حوالي ثلاثة أشهر وقع كل من وزير الطاقة المصري والقبرصي اتفاقاً لإنشاء خط أنابيب تحت البحر لاقى دعماً أوروبياً.
تمتلك شركة النفط الأمريكية «نوبل إنرجي» حصة 40% من حقل «ليفياثان» للغاز الذي تقدر احتياطاته بحوالي 22 تريليون قدم مكعب من الغاز، ويستثمره الكيان الصهيوني، حيث يعتبره واقعاً في المنطقة الاقتصادية الخاصة به على بعد حوالي 130 كيلومتراً قبالة ميناء حيفا، بينما ووفقاً لدراسات أخرى فإن الحقل يبعد 190 كيلومترًا شمال دمياط، و235 كيلومتراً من حيفا، وبذلك يُعتبر ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر. وإذا كان الكيان الصهيوني يطمح إلى تصدير الفائض من هذا الحقل، فإنه غير قادر على ذلك دون تعاون مع دول الجوار، وخاصة مصر، ومن هنا تأتي أهمية اتخاذ موقف وطني واضح في هذا الأمر، بالإضافة إلى الوقوف ضد تعديات الكيان على الحقول في هذه المنطقة. إذ أنّ التعاون على صعيد الغاز، قد يكون أكثر جدوى للتطبيع مع الكيان الصهيوني من الاتفاقات السياسية الأخرى. وبالنسبة للولايات المتحدة فإن هذا التعاون قد يعود عليها بفائدة حيث تطمح هي إلى تحدي هيمنة الغاز الروسي.
إن «منتدى غاز شرق المتوسط» لا يزال في طور الإعلان، إلّا أنه مؤشر على حجم المنافسة الإقليمية والدولية في هذا الإطار والتكتلات الجديدة الناشئة حوله، وخاصة مع تنامي التعاون الروسي التركي الإيراني في مجال الطاقة، بما يوحي بأن تكتلاً جديداً ينشأ في المنطقة بمشاركة الكيان الصهيوني، ومن ورائه شركات أمريكية، في محاولة لمنافسة خط «السيل الشمالي 2» الذي يُقلق واشنطن.