200 مليون عامل في أكبر إضراب بالتاريخ
نفذ حوالي 200 مليون عامل إضراباً في عموم الهند، وذلك احتجاجاً على السياسات الحكومية المناهضة للعمال، يومي 8 و9 كانون الثاني الجاري، مما أدى إلى تعطّل الحركة في البلاد. وتمت الدعوة إلى الإضراب من قبل 10 نقابات عمال مركزية، ما يعني أن جميع النقابات المركزية، ما عدا واحدة وهي ««BMS التابعة لـ«حزب الشعب الهندي» الحاكم، تعارض السياسات الحكومية المتعلقة بالعمل.
شارك في الإضراب عمال القطاع العام العاملون في السكك الحديدية، ومحطات الطاقة، والمصارف، بكل قوة إلى جانب عمال من القطاع الخاص العاملين في المناجم والمواقع الصناعية وغيرها. ووفقاً للتقارير فقد شارك أيضاً عدد كبير من العمال غير المنظمين بمن فيهم الباعة المتجولون وعمال المنازل، وعمال البناء، والعمال الزراعيون، كما وردت تقارير عن وقوع اشتباكات بين المضربين والشرطة في مناطق مختلفة، واعتقالات في صفوف «الحزب الشيوعي الهندي» في عدة ولايات.
أكبر إضراب في التاريخ
ومع مشاركة حوالي 200 مليون عامل، يُعتبر هذا الإضراب هو الأكبر في تاريخ العالم. ويحظى هذا الإضراب بتأييد كل من العمال الصناعيين والزراعيين بالإضافة إلى الطلاب، حيث يتوحدون جميعاً تحت مطلب رفع مستوى المعيشة ومحاربة الفقر ورفع الأجور.
وكان قد تقرر الحشد للإضراب الحالي منذ 28 أيلول الماضي، عندما عُقد المؤتمر الوطني للعمال بمشاركة النقابات المركزية العشر في نيودلهي، حيث تم الاتفاق على عدة نقاط أخرى من بينها رفض خصخصة مؤسسات الدولة، ورفع الأسعار وغيرها، مطالبين أيضاً برفع الحد الأدنى للأجور إلى 18 ألف روبية في الشهر، وبضمان اجتماعي يغطي جميع العمال، وإلغاء العمل التعاقدي.
سياسات نيوليبرالية
عدوة للشعب
في ظل حكومة ناريندرا مودي، منذ عام 2014، عانت الطبقة العاملة الهندية من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار ومعدلات البطالة، حيث وصل معدل البطالة الرسمي في نهاية عام 2018 إلى 7,4%، وفقدت البلاد خلال العام الماضي حوالي 11 مليون وظيفة، ورغم أن معظم هذه الخسائر كانت في المناطق الريفية، فقد واجه قطاع تكنولوجيا المعلومات خسائر كبيرة في الوظائف أيضاً خلال السنوات الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع الأسعار دون أن يرافقها زيادة في الأجور، أدى إلى تدهور الوضع المعيشي للعمال، وقد تحدث بعض العمال المشاركين في الإضراب، أنهم يحصلون على مبلغ يتراوح بين 7000 إلى 12000 روبية شهرياً (أي ما يعادل حوالي 100 إلى 170 دولاراً) مقابل 12 ساعة عمل يومياً، لذلك تطالب النقابات العمالية برفع الحد الأدنى للأجور إلى 18000 روبية شهرياً.
كما يطالبون كذلك بالضمان الاجتماعي والصحي للعمال، حيث مع توسع أعمال البناء في السنوات الأخيرة، ازداد عدد العمال الذين يعملون في هذا القطاع دون إجراءات ومعدات السلامة المهنية، مما زاد من معدلات الوفيات في مثل هذه الأعمال.
كما سمحت حكومة مودي بما يسمى «عمل محدد المدة»، بحجة «تسهيل العمل»، وهو ما يعني أنه يمكن لصاحب العمل أن يوظّف عمالاً لمشروع محدد أو وقت محدد، دون أية متطلبات أخرى، مما سمح باستغلال العمال وتوظيفهم في ظروف غير ملائمة وأجور منخفضة، وبناءً على هذا تطالب النقابات بإلغاء العمل التقاعدي.
الدفاع عن القطاع العام
من بين المطالب التي نادى بها المشاركون في الإضراب، هو حماية مؤسسات القطاع العام من الخصخصة والاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي خلّف مئات الآلاف من العاطلين عن العمل، وخاصة في مجالات السكك الحديدية والتأمين والدفاع.
خلال الإضراب، عقد عمال شركات التأمين على الحياة مظاهرة في نيودلهي، تحدث خلالها، أنيل كومار باتناغار، نائب رئيس «رابطة عمال التأمين في عموم الهند»، إلى الإعلام موضحاً أنه تمت خصخصة اثنتين من شركات التأمين التابعة للقطاع العام حتى الآن، والشركات الأخرى مستهدفة أيضاً، مضيفاً أنه في شركات التأمين المملوكة من قبل القطاع العام يكون معدل رفض تسوية الحالات من 3 إلى 4%، بينما يرتفع المعدل في شركات التأمين الخاصة ما بين 25 إلى 40%، أي أن شركات التأمين الخاصة تقوم بنهب المواطنين، بينما تصر الحكومة على خصخصة باقي الشركات وتسريح آلاف الموظفين. كما دعمت جميع النقابات المصرفية إلى الإضراب، وخرجت بقوة ضد خصخصة بنوك القطاع العام.
قدر محتوم
يُعتبر هذا الإضراب ثالث إضراب تقوده النقابات المركزية ضد حكومة مودي وأقواها. لقد أثرّت السياسات المناهضة للعمال على أعداد متزايدة منهم في السنوات الأخيرة، وفي انتخابات الولايات الأخيرة، خسرت حكومة مودي في ثلاث ولايات، مما يدل على التغير في المزاج بين الجماهير، وفي ظل هذه الظروف يلجأ الحزب الحاكم إلى الاصطفافات الدينية لتقسيم البلاد، لكن هذا الإضراب دفع إلى الواجهة مرة أخرى التضامن الطبقي للشعب، متحدياً كل الجهود المبذولة لتقسيم الجماهير.
لقد أدت هذه الحكومة إلى تعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، في استمرار للسياسات النيوليبرالية التي توجهت نحوها الهند منذ سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1990، وتنصيب مانموهان سينغ من البنك الدولي وزيراً للمالية في الهند، وبعد ذلك كرئيس للوزراء لفترتين متتاليتين، حيث كان الطريق الذي تم اتخاذه هو فتح الاقتصاد لنهب الشركات متعددة الجنسيات، ووصف الاستثمار الأجنبي بأنه علاج لجميع الأمراض، لكن هذه السياسات أدّت في نهاية المطاف إلى زيادة الاحتقان الشعبي والتضامن في أكبر إضراب في التاريخ، ليفتح الاحتمالات أمام تغيير كبير قد يحفظه التاريخ.