اليمن السعيد: وفشلت حربهم!
تقترب الأزمة اليمنية من النهاية، ويبدو أن نتائج المفاوضات ستشكل بداية الحل، بوصفها حلاً سلمياً عن طريق مفاوضات يمنية- يمنية، وليس كما أرادته قوات «التحالف العربي» بحربها حلاً عسكرياً يجري فيه تطويع اليمن.
جرت المفاوضات اليمنية في السويد بين وفد من الحكومة المعترف بها دولياً، ووفد من جماعة «أنصار الله»، منذ 6 حتى 13 كانون الثاني الجاري، هي الأولى من نوعها منذ عام 2016، انتهت بالوصول إلى توافقات بين الطرفين، تشكّل أرضية هامة للمضي قدماً نحو الحل السياسي، ما يعني إعلاناً لخسارة حرب «التحالف العربي» على اليمن، كنتيجة منطقية لطبيعة هذه الحرب الخاطئة وللتغيرات الدولية الجارية.
اتفاق حول الحديدة والموانئ
توصلت الأطراف في ختام جولة المفاوضات إلى الاتفاق حول ثلاث قضايا رئيسة، وهي: 1- اتفاق حول مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، 2- آلية تنفيذية حول تفعيل اتفاقية تبادل الأسرى، 3- إعلان تفاهمات حول تعز.
وفي تفاصيل الاتفاق، فإن أبرز ما تضمنه هو: وقف فوري لإطلاق النار في الحديدة والموانئ المذكورة وإزالة جميع المظاهر العسكرية في المدينة، بالإضافة إلى إعادة انتشار مشترك للقوات خارج المدينة والموانئ، وإنشاء لجنة مشتركة مع الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار.
وحسب الاتفاق، فإن إدارة موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى ستتم من قبل المؤسسة العامة لموانئ البحر الأحمر اليمنية، أما دور الأمم المتحدة فسيكون داعماً لعمليات الإدارة والتفتيش، وعلى جميع الأطراف تسهيل حرية الحركة للمدنيين والبضائع بما يضمن وصول المساعدات الإنسانية.
بداية لحل مؤكد
يُعتبر التوصل إلى توافقات حول محافظة الحديدة وموانئها الإستراتيجية، منطلقاً ضرورياً لحل الأزمة نتيجة لاستعصاء المعارك العسكرية فيها، ولأن الاستقرار فيها ضروري لحلحة الكارثة الإنسانية. ومع اتفاق الأطراف على عقد جولة جديدة من المفاوضات في الشهر الأول من العام القادم، فإنه من المرجح التطرق إلى المسائل الأخرى في حينه. ومن الملفت ترحيب جميع الأطراف بالاتفاق بما فيها السعودية والإمارات والولايات المتحدة، إنَّ ما يمكن التأكيد عليه هنا هو: أن الحل السياسي أصبح المسار الوحيد للأزمة نتيجة لجميع الظروف والعوامل المحيطة بها.
وهي عوامل تتعلق بـ -ما أكدنا عليه سابقاً- تغيّر موازين القوى الدولية والإقليمية الذي يمكن ترجمته بالملموس إلى:
- وجود أزمة اقتصادية عالمية، تعني عدم القدرة على تحمل تكاليف الحرب من قبل القائمين عليها، أي: السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية بشكل أساس هنا، إذ وصلت الأزمة إلى مستوى لم تعد فيه الحروب والتوسع الجغرافي، وسيلة متاحة وسهلة للخروج من الأزمة، ومن الجدير بالذكر أن تكلفة الحرب على اليمن تُقدر بـحوالي 100 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، وهي تكلفة عالية مع الأخذ بعين الاعتبار الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها المملكة السعودية، أو حتى واشنطن التي هي نفسها عبرت في مناسبات عدة عن طمعها بالأموال السعودية.
- من جهة أخرى يستمر تمظهر تغير موازين القوى الدولية والإقليمية بتراجع دور المحور الأمريكي السعودي على صعيد العلاقات والمؤسسات الدولية، وصعود قوى جديدة يصعد معها منطق الحل السياسي للأزمات.
- كذلك الأمر، فإن عاملاً آخر كان له أثر في الدفع باتجاه حلحلة الأزمة اليمنية وهو: الانقسامات الداخلية سواء داخل المجتمع السعودي والعائلة الحاكمة، أو في الداخل الأمريكي، التي كان آخرها إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع مشروعي قانونين يحمّل أولهما: وليَّ العهد السعودي محمد بن سلمان المسؤولية عن مقتل خاشقجي، والثاني: ينصّ على إنهاء الدعم الأمريكي لعمليات «التحالف العربي» في اليمن.
ولا يمكن إغفال دور صواريخ «أنصار الله» البالستية وتهديدها للسعودية مما كان لها من أثر في لجم حسم التوازنات العسكرية لصالح «قوات التحالف».
اليمن لا يهُزم
إذاً، لم تستطع قوات «التحالف» وداعمها الأمريكي من تحقيق نصر عسكري في اليمن ولا حتى من فرض وجهة نظر سياسية تتعلق بالموضوع، بل اضطرت وضوحاً إلى التراجع، وتنبع أهمية هذا الحدث من كونه يقدم أولاً: المؤشرات الكافية والملموسة عن التغيرات الجارية في عالم اليوم، ويؤكد ثانياً: حقيقة أن اليمن لم يخسر في تاريخه حرباً، وأن شعبه الذي كان عصيّاً على التطويع طيلة السنوات الماضية، قادرٌ اليوم على ترميم الجراح والمضي قدماً نحو الحل.