أفغانستان: بين حلول الشرق وما أفسده الغرب
في التاسع من تشرين الثاني الجاري جرت مجموعة من الجلسات والمناقشات لما يُعرف بـ«صيغة موسكو» في روسيا بين مختلف الجهات ذات الصلة بالمشكلة القائمة في أفغانستان.
ضمت الاجتماعات المذكورة– وللمرة الأولى- ممثلين عن حركة «طالبان»، ورغم أن كابل رفضت إيفاد وفد رسمي إلى اجتماع موسكو، إلّا أنها اكتفت بإرسال ممثلين عن المجلس الأعلى للسلام، الذي يعد مؤسسة سياسية غير حكومية، ويتم تعيين قيادته من قبل السلطات الأفغانية، بالإضافة إلى مشاركة سفير أفغانستان لدى موسكو، مما يعتبر تأكيداً لمشاركة الحكومة. هذا بالإضافة إلى كلّ من روسيا والصين وإيران وباكستان والهند ودول أخرى، والولايات المتحدة التي حضرت كعضو مراقب.
الإجماع على التسوية
صرح الجانب الروسي عدة مرات منذ إنشاء «صيغة موسكو» في شباط 2017 أن الهدف منها، هو: رأب الصدع بين طرفي النزاع في أفغانستان سياسياً وسلمياً بعد 17 عاماً من «الحلول» الأمريكية العسكرية البحتة، والتي لم ينتج عنها سوى تحويل أفغانستان إلى أكبر منتج للأعشاب المخدرة في العالم (حيث تعتبر المصدر الأول للأفيون في العالم حسب الأمم المتحدة).
يذكر أن نفوذ «طالبان» قد بلغ مستوى قياسياً حيث بات التنظيم يسيطر على ما يزيد عن 44% من مساحة البلاد، فيما كان يسيطر فقط على ما مجموعه 27% فقط في عام 2015.
ورغم أنه لم يجرِ لقاء مباشر بين أطراف الأزمة الأفغانية، إلّا أن جميع الأطراف أكدت على ضرورة مواصلة العمل في إطار «صيغة موسكو»، ما يعزز فرص التسوية السياسية، حيث صرح رئيس المكتب السياسي لـ«طالبان» عباس استانكازي: بأن نتائج لقاءات التاسع من تشرين الثاني كانت إيجابية، فيما دعا وفد المجلس الأعلى السلام إلى إجراء مشاورات مباشرة مع «طالبان»، التي رفضت بدورها التفاوض المباشر مع حكومة كابل، حيث أكد وفد الحركة في موسكو أن «طالبان» ستتفاوض مع واشنطن بشأن خروج قواتها، وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة حتى استتباب الأمن في عموم البلاد.
من جهته أكد، زامير كابولوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون أفغانستان، على أن الاجتماع هو خطوة أولى نحو مباحثات سلام شاملة لحل الأزمة الأفغانية، حيث أكد كابولوف أن ما يهم روسيا هو التسوية وعملية إطلاقها بشكل مباشر بين حركة «طالبان» والحكومة، والقضاء على الإرهاب وتجارة المخدرات، معتبراً أن تنظيم «داعش» يمثل عدواً مشتركاً لـ«طالبان» وللحكومة.
في استيفاء الحالة
تعتبر «صيغة موسكو» أول محاولة جدية لطرف دولي جاد باتجاه حلحلة سلمية للمعضلة الأفغانية المستعصية، بعد 17 عاماً من الغزو الأمريكي، والذي كان وبطبيعة الحال يتعامى عن تلك الحلول التي يمكن أن تحسن من وضع البلاد السياسي، بالتالي الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثمة إلغاء مبررات التواجد الأمريكي العسكري في أفغانستان، الأمر الذي يعني بأن «صيغة موسكو» هي هجوم على المنهج الأمريكي الأعرج في إطار التعامل مع الأزمات الدولية العالقة، والمولّد لها، وهو المنهج الذي ينسحب على العراق وليبيا وأماكن أخرى من العالم.
إن التوازن الدولي قد ترسخ إلى تلك الدرجة التي تعطي للقوى الدولية الصاعدة، ولاسيما روسيا والصين، القدرة على إيجاد الحلول لتلك الأوضاع التي قد تنتهي بالانفجار، بعبارة أخرى، استباق الحلول لتلك القضايا قبل المزيد من التأزم، وهو ما يعتبر استمراراً لسياسة إطفاء الحرائق وبؤر التوتر المشتعلة في العالم عموماً، وخصوصاً في أفغانستان، التي يجري الحديث عن نقل مقاتلي «داعش» إليها، بهدف زعزعة الاستقرار في المنطقة، التي هي على تخوم روسيا والصين، المنافسين الإستراتيجيين لواشنطن.
إن القوى الدولية الصاعدة عندما تمضي بتوجهاتها الدفاعية ضد محاولات الولايات المتحدة إشعال تخومها- وذلك بتأريض تلك المناطق التي يمكن أن تشتعل- هي تقوم بعملية هجوم ضد المنطق الأمريكي في التوتير، إذ أن الولايات المتحدة في سباقٍ مع الوقت لتفكيك تلك البنى التي تحد من قدراتها على التأزيم، الذي بات متنفسها الوحيد لتأخير محنتها الاقتصادية، والتي لا خلاص منها، وهي في الوقت ذاته تعزز من قدرات الدول المتضررة على الاستقرار، بما يخدم مصالح شعوبها. إن اجتماعات موسكو تشكل انعطافة جدّية في الأزمة الأفغانية، وبانتظار إنجاز الحل، فإن أفغانستان اليوم تشكل نموذجاً جديداً، على المصلحة الكامنة في التوجه شرقاً، بعد سنوات من كوارث التوجه غرباً.