عبودية العصر الجديد
مع تعمّق الأزمة الرأسمالية وازدياد ضعف مراكزها تزداد حدّيتها وتطرفها، كذلك يزداد توسعها العمودي على حساب البشرية نفسها، وعبر مختلف أدوات الضغط والاستغلال، من الأكثر تعقيداً بتركيبها إلى الأكثر فظاظةً ووقاحةً، كحال إصلاحيات الولايات المتحدة التي وُصف سجنائها بعبيد العصر الجديد.
في 21 آب من هذا العام قام سجناء نحو 17 ولاية في أمريكا بإضراب جماهيري عام من المقرر أن يستمر حتى 9 أيلول. فبحوالي 2,3 مليون شخص في السجن– وهو أعلى رقم سجناء في أية دولة- يكون لدى أمريكا وحدها ربع مساجين العالم، بينما تعدادها السكاني يشكل نحو 5% من سكان العالم.
تقوم الولايات المتحدة باستغلال هؤلاء السجناء من خلال تأجير قوّة عملهم للشركات الخاصة بسعر بخس لا يتجاوز دولاراً واحداً في اليوم، وهو ما دفع السجناء للخروج بخطة إضراب وتظاهرات في وجه ظروف معيشتهم السيئة، واستغلالهم كعمّال عبيد من قبل تلك الشركات لقاء أجر شبه معدم في بعض الولايات، بينما في ولايات أخرى مثل: أركانساس وجورجيا وتكساس لا يوجد أجر مطلقاً، ليوفروا بذلك ملايين من الدولارات التي كانت سترغم تلك الشركات على دفعها كأجور لموظفيها.
تنظيم وتكبيد الخسائر
بالإضافة إلى توقف المُضربين عن العمل، تدعو الحركة أيضاً إلى مقاطعة الخدمات التي يقدمها نظام السجون، والتي بسببها يتكلف السجناء بدفع مبالغ كبرى تذهب إلى ما أسموهم «باللاعبين الخاصين» الذين يمتلكون الاحتكارات. مثال: نظام هاتف السجن، فعقد تشغيله يُعطى للمستثمر الذي يعرض أعلى عمولة لإدارة السجن ومشغّليه، ليحدد سعر الخدمة حسب مضاربة السوق، مستغلين حاجة السجناء وعوائلهم للتواصل فيما بينهم، لتصل أجرة المكالمات الى ذاك الحد التي تضطر العائلات إما بأن تجري اتصالاً أو أن تؤمن متطلبات الرعاية الطبية لأقربائهم.
في فلوريدا مثلاً: مكالمة مدتها 4 دقائق تُكلف نحو 56 دولاراً، وبالتعاون مع لجنة تنظيم العمال المسجونين، أحد أفرع نقابة العمال يتم نشر دعوات المقاطعة هذه لعدم القيام بأي اتصال طوال فترة الإضراب حتى 9 أيلول.
تعويض الخسائر
يقوم «مُلّاك العبيد»، والذين هم في هذه الحالة إدارة السجون، بالتعاقد مع الشركات الخاصة مثل: «ماكدولاندز» و«مايكروسوفت» و«والمارت» وشركة الطيران الأمريكية وغيرها من بنوك وجامعات وشركات اتصالات، وتعد وزارة الدفاع من أكبر المستفيدين من عمال السجون، ليبيعوهم بساعات محددة لا يحصّل منها هؤلاء العمال «العبيد» على شيءٍ مما يحقق ربحاً أعلى لتلك الشركات.
إن هذه السياسة ليست بالجديدة، ولكن الجديد بها وقاحتها المتصاعدة التي بالتوازي مع تراجع أمريكا بقصّ أيديها الممتدة دولياً باتت شركاتها ورؤوس أموالها يستعيض عن خسائرها برفع مستوى النهب والاستغلال في الداخل، الأمر الذي أثار ردود فعل أولاً في هذه السجون التي عمّالها أساساً مسجونين فلا رادع لهم... ولكن لن يتوقف الأمر هنا، فكما كان للسجناء ردود فعلهم بظروفهم السيئة، سوف تزداد الاستياء عند العمال عموماً بمختلف القطاعات مع تدني مستوى معيشتهم الذي يتدرج شيئاً فشيئاً.