«نيوم» لا يكفي لإضاءة النفق السعودي
قبل عام تقريباً، أطلقت المملكة العربية السعودية «رؤية المملكة 2030»، كمشروع شامل لتغيير بنية اقتصادها، كما تشير إليه تفاصيل الرؤية النظرية، ومؤخراً أطلقت المملكة أيضاً مشروعاً جديداً لا يقل ضخامة من حيث اتساع أهدافه تحت عنوان «نيوم» ...
هذه المشاريع المذكورة آنفاً، تثار حولها تساؤلات تتناسب مع حجم الآمال المعقودة عليها، وهي كبيرة ومتشعبة بحق، أهمها: مصادر التمويل، والبنية التشريعية المرافقة لها، وحجم الاستفادة المفترضة اقتصادياً واجتماعياً بالنسبة للسعودية، مقارنةً بأرباح المستثمرين المفترضين حتى اليوم، واتساق المشاريع المتنوعة وقدرتها على التكامل فيما بينها ... الخ
مشاريع نتاج الأزمة
تتيح المعلومات المتداولة حتى الآن، قراءة الخطوط العامة لهذه المشاريع الموضوعة من قبل «النخبة» الحاكمة في المملكة، بهدف تقدير جدواها وإمكانية إنجازها من عدمه ...
بعودة سريعة إلى «رؤية المملكة 2030»، احتوت الرؤية المذكورة نظرياً على حلول لعشرات المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المملكة، لكن بخطوط عريضة جداً، دون الخوض في التفاصيل، إلّا أن الملفت للمراقب الخارجي هو: ليس الحلول المطروحة، بقدر ما أن هذه الخطة الاقتصادية بالشكل الذي عرضت به، تشكل اعترافاً من قبل السلطات السعودية بالكم الهائل للمشاكل، وهو ما لم يكن وارداً قبل طرح الرؤية بعقود، أي: أن حجم المشاكل التي تواجهها المملكة بأسبابها الداخلية والخارجية، أجبرت المسؤولين على الاعتراف بفشل النموذج السعودي في إدارة الاقتصاد.
وبعد سنة من إعلانها، لم تقدم الرؤية أي تغيير حتى الآن، لا على صعيد إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي بطريقة منهجية، ولا على صعيد سنّ قوانين وتشريعات جديدة تساعد على اجتذاب المستثمرين كما كان مأمولاً، وبصورة عامة تكفي الإشارة إلى أن هذه الرؤية التي كان من شأنها على الأقل خلال عام من إطلاقها، البدء بتخفيف الانحدار الكبير في مؤشرات الاقتصاد السعودي، تزامنت مع انهيارات كبرى اقتصادياً مالياً، وهنا نعرض بعض الحقائق عن الاقتصاد السعودي للعام الحالي ...
عجز ومديونية
بحسب وزارة المالية السعودية، بلغ الدين العام للدولة 341.4 مليار ريال، أي 91 مليار دولار، وتتوقع المملكة أن تصل نسبة الديون من الناتج المحلي الإجمالي إلى 30%، حسب برنامج «التوازن المالي» المعلن في العام الماضي، وتشير المعلومات إلى أن تلك الديون تصل إلى 113 مليار دولار إذا ما أخذنا بعين الاعتبار طرح السعودية في تشرين أول الحالي، صكوكاً محلية بقيمة 9.9 مليار دولار، وسندات دولية بقيمة 12.5 مليار دولار. وبحسب بيانات أظهرتها «مؤسسة النقد العربي السعودي» فقد خسرت المملكة أكثر من نصف احتياطاتها النقدية خلال 32 شهراً، من 346.6 مليار دولار في كانون أول 2014، إلى 146.6 مليار دولار في آب 2017.
وكانت السعودية قد أعلنت موازنتها للعام الحالي، بإجمالي نفقات بلغت 237.3 مليار دولار، وبعجز مقداره 52.8 مليار دولار.
وتجدر الإشارة إلى أن البورصة السعودية فقط خلال تشرين أول الماضي وحده، خسرت 76 مليار دولار، من قيمتها السوقية.
هذه المؤشرات العامة حول وضع الاقتصاد السعودي، هي للأشهر الفائتة، لكن ماذا عن الالتزامات المستقبلية التي من بينها 350 مليار دولار، المعلنة عقب زيارة ترامب إلى المملكة، أو تكاليف حرب اليمن التي أعلن بن سلمان عن استمراريتها؟ هنا تشير بعض التحليلات إلى أن فشل عملية التحول الكبير في السعودية ستكون باهظة، وأن احتمال إنقاذ الاقتصاد السعودي بالطريقة التقليدية أي: عبر توريدات النفط ليس بالأمر الوارد، قبل أن يصل سعر برميل النفط إلى 70 دولاراً، وهو ما لا يبدو في ممكناً في السنوات القليلة المقبلة.
قارب نجاة
استكمالاً لما تحاول السعودية العمل عليه لإنقاذ اقتصادها المتهاوي، شرعت المملكة نهاية الشهر الماضي بالإعلان عن مشروع «نيوم»، الذي سيتم دعمه بأكثر من 500 مليار دولار، من قبل السعودية وصندوق الاستثمارات العام، بالإضافة إلى مستثمرين محليين وعالميين، وسيقام المشروع بحسب المسؤولين السعوديين في شمال غرب المملكة ويمتد داخل الأراضي الأردنية والمصرية، على مساحة 26.500 كم مربع، وسترّكز منطقة «نيوم»، على قطاعات اقتصادية متنوعة، منها: مستقبل الطاقة والمياه والتنقل والتقنيات الحيوية، والإنتاج الإعلامي والترفيه ومستقبل المعيشة ... الخ.
ورغم عمومية ما أعلنته السعودية حتى الآن، إلّا أن الواضح مبدئياً هو: الذهاب اتجاه مشروع خدمي، يشابه إلى حد كبير تجارب سابقة في الإمارات، أو بعض دول شرق آسيا، من حيث تحويله إلى نقطة جذب استثمارية رئيسة في المنطقة، لكن ماذا عن «رؤية المملكة 2030»، هل يتكامل المشروعان معاً؟
بحسب القائمين على مشروع «نيوم»، فإن أجزاءً كبيرة منه ستدار روبوتياً، أي: أن ما جاء في بنود «رؤية الممكلة 2030»، سيذهب أدراج الرياح، كما أن المستثمرين المفترض مشاركتهم في هذا المشروع، لن يقبلوا بما يسمى «سعودة» الاستثمارات الخاصة، كما هو الحال في القطاع الحكومي داخل المملكة، ومن جهة أخرى، هل هدف الرؤية بتنويع الاقتصاد، من خلال القطاعات الصناعية والزراعية، متوافق مع النموذج المأمول في مشروع «نيوم»؟
في البحث عن إمكانية نجاح المشروع، لا بد من طرح التساؤل الآتي: من أين ستأتي السعودية بالأموال؟ لنفترض أن المملكة أصرّت على تمويل هذا المشروع، بأية طريقة كانت، وفكرت في بيع شركة «أرامكو» الحكومية، والتي تعتبر الثروة الأكبر في المملكة اليوم، بعد انخفاض احتياطيات الأموال السعودية إلى أدنى مستوياتها، فإن قيمة الشركة السوقية لا تتجاوز وفق أحسن التقديرات 600 مليار دولار! أما آمال البحث عن مستثمرين أجانب، للمشاركة في المشروع المذكور، لم نرَ الكثير منهم في دعم «رؤية المملكة 2030»، فهل تتوقع المملكة أن يضعوا أموالهم في مشروع ضخم، يتعدى في متطلباته المالية ما كان مطلوباً لإطلاق تلك الرؤية؟
تواجه المشاريع السعودية، التي لم تنطلق بعد، وهنالك شكوك حول إمكانية قيامها أصلاً، العديد من التناقضات، لكن من المؤكد أنها وسيلة للبحث عن مخارج من الأزمات المرجحة للازدياد، هنا يمكن تشبيه إطلاق مشروع «نيوم»، بالمقامرة، التي إن نجحت فستنقذ أجزاء يسيرة من الاقتصاد السعودي، لكن في حال فشلها قد تعزز الأوضاع المعقّدة، وتنقل الأزمة من نطاقها الاقتصادي، إلى السياسي والاجتماعي. ذلك مرهون بنوع الاستثمارات ومصادر تمويلها، فالتعويل على الاستثمارات الخدمية الممولة من الغرب، يعني فشلاً محتوماً بسبب تبخر أموال الغرب العابرة للحدود مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، أما في حال كان التوجه شرقاً بهدف التكامل مع المشاريع التي تطرحها الدول الصاعدة، وخصوصاُ الصين وروسيا للاستثمار في القطاعات الحقيقية، فإن هنالك فرصة للنجاح، وهو ما سيتضح لاحقاً...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 835