دعاة الحرب في واشنطن... لا بيونغ يانغ

دعاة الحرب في واشنطن... لا بيونغ يانغ

تعاود كوريا الديمقراطية تجاربها الصاروخية في بحر الصين الجنوبي، وآخرها في 6/ آذار الحالي، بإطلاقها ثلاثة صواريخ بالستية سقطت بمنطقة في مياه بحر اليابان، على بعد 300-350 كم من سواحلها، وكانت بيونغ يانغ قد أجرت في 12/ شباط الماضي، تجربةً لصاروخ باليستي من طراز «بوكيكسون-2»، متوسط المدى.

 

جاءت تجربة بيونغ يانغ الأخيرة، في الوقت الذي نشرت فيه الولايات المتحدة منظومة «ثاد» للدفاع الصاروخي في كوريا الجنوبية، وأقامت مناورات عسكريةً مشتركةً مع سيؤول، تحاكي هجوماً محتملاً على بيونغ يانغ...

الطريق من بيونغ يانغ إلى بكين

هذا الجانب من المشهد المتوتر في شرق آسيا، لا يمكن فصله عن جملة توترات أخرى في المنطقة ذاتها، من بينها قضية الجزر المتنازع عليها بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبي، وجزر أخرى متنازع عليها بين الصين وتايوان وفيتنام وماليزيا، والأزمة السياسية في هونغ كونغ والفلبين، والعلاقات المتوترة بين الصين وتايوان، هذه المشاكل ليست بالجديدة تماماً، وبحاجة إلى حل عقلاني، يحفظ أمن المنطقة، لكنها في الأشهر الماضية تشهد جميعها تصعيداً متوازياً، يدير الأنظار من شرق المتوسط كمنطقة نزاعات، إلى شرق آسيا على حدود الصين.

هذه القضايا العالقة هناك، تتم الإشارة إليها باعتبارها حاملةً لعناصر توتر تخص المنطقة وطبيعتها، أي أنها ليست بشكل مطلق صنيعة تدخلات خارجية، لكن الملفت أن هذه القضايا جميعها، شهدت في الأشهر الأخيرة تدخلات أمريكية واسعة، عملت على تفعيل هذه التناقضات والوصول بها إلى حدود خطرة.

مثالاً على ذلك، زادت الولايات المتحدة من دعمها العسكري لتايوان في جنوب شرق الصين، وتقوم بتسيير دوريات عسكرية في بحر الصين الجنوبي، كما تقوم بمناورات عسكرية مع كوريا الجنوبية، وتبتز اليابان كما جاء في تصريحات ترامب المشابهة لتصريحاته، حول السعودية بغية إحكام القبضة عليها وعزلها عن محيطها الإقليمي، إلخ...

وعليه، يمكن ربط التوتر المتزايد في شبه الجزيرة الكورية، بالنشاط الأمريكي المكثف في شرق آسيا، بالاستفادة من العلاقة القوية مع كوريا الجنوبية، والتي تحاول توطيدها بالتخويف المستمر من صعود الصين الاقتصادي، هذا ما تشير إليه دراسة نشرتها مجلة «فوربس» الأمريكية التي عنونت: «الصين تسعى لتدمير اقتصاد كوريا الجنوبية».

وبالنظر إلى هذه الأجواء المحيطة بكوريا الديمقراطية، هل تغالي بيونغ يانغ في تجاربها النووية؟ أم أن حجم التحديات بات يستلزم هذا النوع من المجابهة؟

الردع والردع المضاد!

الحقيقة أن كوريا الديمقراطية المعزولة إلى حد بعيد دولياً- ويعمل الإعلام الغربي على شيطنتها يومياً- ترى في تطوير قدراتها العسكرية الضمانة الوحيدة للبقاء بعيدةً عن الهيمنة المبتغاة أمريكياً، وبالتالي، فإن أي تحرك أمريكي في محيطها تقابله بتجربة صاروخية جديدة، كرسالة عن الاستعداد للمواجهة، وقد ينزلق البعض في مستنقع الروايات الغربية حول «جنون» النظام الحاكم هناك، أو حول النوايا الـ«المجنونة» للبدء بحرب عالمية نووية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل سمح الغرب أو شارك أو ضغط باتجاه أية مبادرة للحوار أو التفاوض مع الكوريين؟ بالمقابل، هل تلقى دعوات روسيا والصين للحوار مع كوريا الديمقراطية صدى في الغرب؟

في هذا السياق، تدعو موسكو إلى التعامل مع بيونغ يانغ، بالشكل الذي تعامل به المجتمع الدولي مع الملف الإيراني، فيما يخص النشاطات النووية، حيث اعتبرت لجنة شؤون الأمن والدفاع في مجلس الاتحاد الروسي، أن ما يعطل تسوية مشكلة بيونغ يانغ النووية، افتقاد المجتمع الدولي لموقف منهجي وموحد في التعامل معها على غرار ما تم مع طهران، مضيفاً: «يبدو لي أننا لا نتحدث عن مشكلة بيونغ يانغ إلا بعد اختباراتها الصاروخية، وإعراب كوريا الجنوبية واليابان عن قلقهما حيال أمنهما جراء هذه الاختبارات، لنعود وننسى ما حدث في أعقاب ذلك»، وأشار إلى عدم وجود أي موقف موحد على هذا الصعيد بين روسيا والصين والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان.

هنا، تسعى موسكو إلى إلحاق الملف الكوري بالملف الإيراني، الذي تم حله على أساس توافق دولي، عكس في حينها موازين القوى الإقليمية والدولية، وخرج بصيغته النهائية، بمسمى «الاتفاق النووي الإيراني»، أي أن العلاقات الدولية الجديدة، أنتجت حلاً للملف النووي الإيراني، وهي قادرة على حل الملف النووي الكوري الشمالي بطريقة مشابهة، على أساس التفاوض والاستماع لمطالب بيونغ يانغ، بغيةَ تقنين نشاطاتها العسكرية والنووية، بما يخدم أمن دول الجوار.

لكن الجدير بالقول: إن إحدى نتائج إغلاق الملف النووي الإيراني، أي الخروج الأمريكي من أحد أعقد ملفات شرق المتوسط، كانت الاتجاه نحو شرق آسيا لتكرار ما فعلته واشنطن على حدود الصين، وبالتالي فإن التعنت الأمريكي ما زال في أَوَجّهِ، ويظهر في السلوك والتصريحات الأمريكية، اتجاه أي ملف يخص تلك المنطقة، بما فيه الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، لكن موازين القوى الدولية أدت إلى عدم وصول النزاعات في شرق آسيا إلى صدامات عسكرية مباشرة حتى الآن، كما أن حدوثه أيضاً بأيدي اليابان وكوريا الجنوبية على أقل تقدير، هو ليس بالأمر السهل أمريكياً كما يشتهيه التيار الفاشي في واشنطن، لأن أي صدام عسكري من هذا النوع، سيستدعي فتحاً أوسع من المنطقة المقصودة.

من جهتها، أعربت الصين عن موقفها الثابت من النزاع الجاري في شبه الجزيرة الكورية، ورغم انتقاد الدبلوماسية الصينية لقيادة كورية الديمقراطية جراء التجربة الأخيرة، إلا أنها دعت نظراءها في اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، إلى عدم اتخاذ أية إجراءات أحادية يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع أكثر، حيث اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، هونغ لي، أن «الوضع في شبه الجزيرة حساس ومعقد للغاية».

دروس الأمس قاسية

يبدو أن بكين ترى في نشر منظومة صواريخ «ثاد» في كوريا الجنوبية خطراً استراتيجياً، كانت قد أشارت إليه بشكل مباشر في أيلول من العام الماضي، ببيان صادر عن وزارة الدفاع الصينية، حيث ذكرت الوزارة: إن الصين «تعني ما تقوله»، عندما تصرح بأنها ستدرس اتخاذ إجراءات مضادة، في مواجهة خطة لنشر نظام أمريكي متطور للدفاع الصاروخي في كوريا الجنوبية. وكانت الولايات المتحدة قد بدأت فعلياً بنقل بطاريات الصواريخ هذه إلى كوريا الشهر الحالي.

هذه التوترات التي تفتعلها واشنطن، والمقصود منها بشكل أساسي الصين،  من شأنها أن تؤثر على تطورات أزمة صواريخ كوريا الديمقراطية، بحسب قدرة دول الشرق الآسيوي على امتصاص الاستفزازات الأمريكية والتعامل معها بالطريقة الأمثل، ومن جهة أخرى الجرأة الأمريكية على اتخاذ خطوات عسكرية تصعيدية في منطقة خسرت فيها الكثير أثناء حرب فيتنام، عندما كانت في أوَجّ قوتها العسكرية، فكيف هو الحال اليوم؟

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
801