محاولات القضاء على حزب الله
يجتمع اليوم الرأي العام الدولي بقيادة الإدارة الأمريكية وعضوية أغلب الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن على أمر واحد، هو تجريد حزب الله من سلاحه، وإبعاده عن الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية. وساء صيغ ذلك بتنفيذ القرار (1559) أو بإنزال قوات دولية أطلسية أو شبه أطلسية (أي متحالفة مع الإدارة الأمريكية)، أو بطرح أن الميليشيا المسلحة لا ضرورة لها بعد استرجاع مزارع شبعا، أو بطرح ضرورة سيطرة الدولة على الجنوب دون الميليشيات المسلحة، فإن كل ذلك يؤدي إذا ما نجح إلى تجريد حزب الله من السلاح. ولكن حزب الله ليس «نائماً على ودانه (أذنيه)»، كما يقول المثل، فهو واع لما يدور حوله، ولما يحاك له.
مسألة إنزال قوات دولية في الجنوب اللبناني، أياً كانت صفتها، فإنها تعني نقل مهمة قتال حزب الله من إسرائيل إلى تلك القوات الدولية، ويصبح حزب الله بذلك أمام أحد خيارين، هما: إما أن يتصدى لتلك القوات، ويواجه حينئذ قوى الإمبريالية الدولية مجتمعة، أو أن يستسلم، ويكون ذلك بمثابة القضاء عليه.
حزب الله لن يكون له أي دور لبناني من دون سلاحه، وتخليه عن السلاح يعني ترك الساحة فارغة ليملأها أنصار الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية في الطبقة السياسية اللبنانية، ولكن المسألة هي أعقد من ذلك. فلو قبلنا نظرياً بأن حزب الله مستعد للتخلي عن سلاحه، فإن الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية لن ترضيا بأقل من البدء بتحقيق الشرق الأوسط الجديد اعتباراً من لبنان، وهذا ينطوي من الجملة على تقسيم لبنان إلى دويلات طائفية، ومنح إسرائيل منطقة الجنوب جائزة لها على المعركة الهمجية التي خاضتها.
غير أن حزب الله لن يتخلى عن سلاحه، وفي هذه الحالة سوف يصطدم مع القوات الدولية المنتظرة، ومع الطبقة السياسية الداخلية، التي تأمل «خيراً» من تلك القوات الدولية، وأيضاً مع أغلب الإدارات العربية التي ترى في حزب الله نشازاً في اللحن الأمريكي ـ العربي(؟)
ومع ذلك، فلا بد لحزب الله من أن يصطدم بالقوات الدولية المتوقعة، لأن المعركة هي معركة حياة أو موت بالنسبة له، وهي معركة حياة أو موت، لا بالنسبة له فقط، فالقوات المسلحة المخطط لإنزالها في الجنوب اللبناني هي قوات احتلال ولن يقتصر عملها حتى لو استسلم حزب الله على الجنوب، لأن مهمتها الحقيقية ستكون استئصال القوى الوطنية في لبنان، أي استئصال شعب لبنان تقريباً.
وقتال حزب الله لإسرائيل وللقوات الدولية معاً لن يكون سهلاً، ولكنه سيوقع الإدارة الأمريكية أو «الحلفاء» في مستنقع جديد يضاف إلى أفغانستان والعراق. لن يكون حزب الله حينئذ وحده، وإنما سيكون معه مجموع الشعب اللبناني.
وهل سيبقى الصراع في حدود لبنان؟ من يدري؟ الأمر يتعلق باستراتيجية الإدارة الأمريكية، التي يبدو أنها تريد تعميم عدوانيتها على كل العالم.
حزب الله هو في كل الأحوال، بقرار أمريكي صادر عن الأمم المتحدة أم من دونه، يقاتل وحده، فالمجتمع الدولي بقيادة الإدارة الأمريكية هو ضده، ولو كان بذلك ضد لبنان، وأغلب الإدارات العربية ضده، وهي ليست بذلك ضد لبنان فقط، وإنما أيضاً ضد بلدانها، وضد سيادة تلك البلدان.
وفي هذا المجال لا معنى للقول إن الإدارة الأمريكية تخالف القانون الدولي، وإن الإدارة الإسرائيلية تخالف اتفاقات جنيف، فالإدارتان بكل سياساتهما، وبكل تحركاتهما الدولية، هما خارجتان عن القانون: هل الإبادة التي ترتكبانها في فلسطين أو لبنان أو أفغانستان أو العراق لها علاقة بأي قانون دولي أو إنساني؟ هل التسلط على الأمم المتحدة وتعطيل دورها الأممي له علاقة بأي قانون دولي؟
هل فرض الأتاوات والفواتير على «الحلفاء» له علاقة بأي قانون دولي؟ هل الاغتيالات التي ترتكبها الإدارة الإسرائيلية في العلن وبشكل منهجي لها علاقة بالقانون الدولي؟ هل استمرار العسكرية الإسرائيلية في احتلال الأراضي العربية له علاقة بالقانون الدولي؟ هل دعم الإدارة الأمريكية للعسكرية الإسرائيلية في الاحتلال وفي الإبادة وفي كل أشكال العدوان له علاقة بالقانون الدولي؟
الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية خارجتان على القانون الدولي، وذلك هو أكثر من ممارسة لإرهاب الدولة، كما يأتي تكراراً في الأدبيات السياسية، إنه ببساطة عمل مافيوي، أي عمل عصابات إجرامية، والإدارتان هما في ارتباط عضوي مع العصابات المافيوية، عصابات الدعارة والمخدرات والجريمة المنظمة، وينشرونها في كل مكان تصلان بعدوانيتهما إليه. وهما بالصفة المافيوية أدنى من أن تكونا إدارتين، فهما تنتميان إلى الجريمة لا إلى إدارة الدولة، ولا سيما إدارة دولة عظيمة وذات وزن عالمي، هي الولايات المتحدة.
الإدارة الأمريكية هي الآن بعبع تخاف منه إدارات العالمين الثاني والثالث. وهذا الواقع الدولي يجعل العبء الواقع على الشعوب كبيراً، حتى على الشعب الأمريكي.
والبعبع ينتج الدمار الذي نجده اليوم في لبنان وغيره، والفقر والجوع، اللذين أصبحا يشملان أغلبية سكان الكرة الأرضية، وتسميم البيئة الذي أصبح يهدد الحياة على الأرض، وتسميم الغذاء، بدءاً من الكولا وحتى المنتجات المعدلة جينياً.
معركة حزب الله محدودة حتى الآن بالعمل على حماية لبنان، ولكنها موضوعياً هي أكبر من ذلك بكثير. هي ضد مخططات الشرق الأوسط الأمريكي، وضد الترسانة العسكرية الإسرائيلية التي تهدد الشرق الأوسط الواقعي، وضد الإجماع الدولي والعربي على ضرب حزب الله، وأيضاً لصالح أي مقاومة أخرى، عربية أو غير عربية ضد الإمبريالية المقودة بالإدارة الأمريكية.
يقول منظرو الإدارة الأمريكية، إن المقاومة سواء في لبنان، أو في غير لبنان متصلة فيما بينها وموصولة بدكتاتورية رجال الدين m●llahcracy هذا لا يمنع كون المقاومة هي أولاً وقبل كل شيء ضد الإميريالية ولصالح الشعوب. أنظمة المجتمعات تقررها شعوبها المتحررة. ومن الأفضل أن تكون البلدان المتحررة متعلقة بدكتاتورية رجال الدين، من أن تكون متعلقة بالإمبريالية الدولية. فالشعوب تستطيع أن تتدبر أمرها بعد تخلصها من الاستعباد الأكبر، استبعاد الإمبريالية الذي يعني في الواقع الحالي الاستعباد العنصري الشبيه بالاستعباد الأمريكي للهنود الأمريكيين (الهنود الحمر). أصلاً قالت رئيسة وزراء إسرائيل السابقة في محاضرة لها، في الولايات المتحدة في ستينات القرن الماضي، مخاطبة الأمريكيين، نحن هناك أي في الشرق الأوسط نبني الحضارة كما بنيتموها أنتم هنا (أي على أنقاض السكان الأصليين)، فنحن هنا بالنسبة للإدارتين الأمريكية والإسرائيلية سكان أصليون(؟)
قد تكون قدرة حزب الله غير كافية لمواجهة الإجماع الدولي المافيوي الراهن، ولكنه يفتح الباب وقد فتحه لسلسلة طويلة من المواجهات، التي على ضراوتها لن تؤدي إلى نفي العرب إلى جبال روكي (المنطقة التي نفيت إليها بقايا الهنود الأمريكيين). حلم الإدارة الأمريكية بذلك هو حلم غير واقعي، ولكنه يكلف الكثير من الدماء.
الإدارة الأمريكية تصر على حلمها، ولكن يبقى للشعوب كلام آخر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 279