الانتخابات الفرنسية.. ساركوزي ثانياً

في ظل  الأزمة المالية والمشاكل الاقتصادية التي تعتبر العنوان الأبرز للوضع في دول الاتحاد الأوربي  ومن ضمنها فرنسا جرت الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة الفرنسية بتقدم مرشح الحزب الاشتراكي فرنسوا هولاند الذي فاز ب 28.63   في المائة  على مرشح اليمين التقليدي نيكولا ساركوزي المنتهية ولايته، الذي حصل على 27.18 في المائة. وهذه هي المرة الأولى التي يكون فيها تسلسل رئيس الجمهورية المرشح للانتخابات ثانيا، طيلة عهد الجمهورية الخامسة التي تأسست عام 1958. إذ إن المتعارف عليه في الدورات الانتخابية السابقة هو أن يحتل رئيس الجمهورية المرشح المرتبة الأولى في الجولة الأولى للانتخابات ثم يجري السباق الحقيقي في الجولة الثانية التي غالبا ما تكون حاسمة بتسمية رئيس جمهورية جديد .

 لقد صرح ساركوزي مراراً بأنه سيحسم السباق الرئاسي على حساب منافسه فرانسوا هولاند في الدورة الثانية من الاستحقاق الانتخابي.
 ولكن هولاند يسير بخطا واثقة على ما يبدو نحو الإليزيه خاصة بعد أن أعلن مرشح اليسار جان لوك ميلنشون ( الذي أحرز في الدورة الأولى من هذه الانتخابات على 11.11في المائة من الأصوات وجاء تسلسله رابعاً )، دعمه لمرشح الحزب الاشتراكي، فرنسوا هولاند، في الدورة القادمة .
وقال ميلنشون في كلمته التي وجهها لناخبيه بعيد ظهور النتائج ، مساء أول من أمس، بأن نجاح مرشح الحزب الاشتراكي بالوصول إلى الإليزيه هو نجاح لليسار لأنه يجب حسم المعركة والانتصار على ساركوزي وإبعاده عن كرسي الرئاسة .
 المفاجأة الثانية، هي حصول، مرشحة اليمين المتطرف «حزب الجبهة الوطنية» ،مارين لوبين على 17.9 في المائة من الأصوات ، حيث أصبح تسلسلها الثالث بين المرشحين وهي نتيجة فاجأت اليسار واليمين على حد سواء، وبدت لوبين فخورة بكونها استطاعت أن تحصد ربع عدد الناخبين لمصلحتها وأنها تجاوزت النسبة التي حصل عليها والدها ( جون ماري لوبين) في انتخابات 2002  .
 ويعتقد المراقبون بأن تصويت المواطنين لمصلحة اليمين المتطرف جاء لسببين: أولهما سياسة حكومة ساركوزي خلال السنوات الخمس المنصرمة والتي ما إن تنتهي أزمة حتى تدخل بأخرى، مما أدى إلى المزيد من عدد العاطلين عن العمل وإلى تردي المستوى المعاشي قياساً بسنوات التسعينيات، والسبب الثاني هو خطاب ساركوزي ذاته الذي استعار قسماً كبيراً فيه من خطابات اليمين المتطرف، الذي حمّل المهاجرين كل مشاكل فرنسا !، ونستطيع أن نضيف عاملاً ثالثاً وهو دور الإعلام الرسمي بإلقاء الضوء على العنف الذي يمارس في هذه المدينة أو تلك من المدن الفرنسية وتحميل الأجانب وزر هذا العنف دون العودة إلى الأسباب الحقيقية التي تكمن خلف مثل هكذا ممارسات كما حدث مؤخرا في مدينة  تلوز حيث أقدم مواطن فرنسي من أصل عربي على قتل سبعة مواطنين أبرياء واتضح بعد ذلك انه يرتبط بتنظيمات القاعدة .
أصوات ملينشون ووحدة اليسار وأصوات مرشحة البيئة  إيفا جولي التي حصلت على 2.3 في المائة ستذهب حتما إلى هولاند مرشح الحزب الاشتراكي ، ولكن أين ستذهب أصوات اليمين المتطرف ؟ فالعلاقة بين اليمين المتطرف حزب الجبهة الوطنية  وبين اليمين التقليدي الممثل برئيس الجمهورية المنتهية ولايته ليست على ما يرام ، هذا ما ستكشفه الأرقام في نهاية الجولة الثانية من الانتخابات في 6  أيار القادم.
ووفق الاصطفافات السياسية الجديدة المترتبة على هامش الدورة الثانية والحاسمة لاختيار رئيس الجمهورية لا بد أن نذكر بأن يمين الوسط الذي يقوده فرنسوا بايرو قد حصل على 9.13  في المائة وهي نسبة ليست بالقليلة، وفي خطابه عشية الانتخابات لم يحدد بايرو لمن سيعطي أصواته لكنه أكد في كلمته المتلفزة بأن حصول اليمين المتطرف على هذا العدد من الأصوات يشكل أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية !وكلامه هذا بمثابة ضوء أخضر لأنصاره كي يصوتوا لمرشح الحزب الاشتراكي فرنسوا هولاند.
ما يمكن تأكيده من تجربة الجولة الأولى في الانتخابات الفرنسية أن القارة العجوز - مرة أخرى – في مرحلة مخاض لولادة شيء  جديد، فالمزاج العام نحو اليسار بغض النظر عن جديته وجذريته، والمظاهرات ضد الرأسمالية أصبحت ظاهرة يومية في العواصم والمدن الرئيسية وقوى البرجوازية الأوربية لا تملك برامج واقعية وفعلية لتجاوز الأزمة، والشريان الذي طالما كان يغذي المراكز الرأسمالية بالثروة وتؤمن الوفر اللازم لنمط عالٍ من الاستهلاك أي بلدان الجنوب بدأت بلعب دور جديد من خلال تكتلات إقليمية وعالمية تنهي حالة التبعية المزمنة... المؤشرات والوقائع لمن يعرف قراءة المستقبل تؤكد أن شيئا جديدا قادم على الطريق.