المخابرات المركزية الأمريكية .. النموذج ذاته من باكستان الى اليمن!!

في تقرير نشرته واشنطن بوست يوم الخميس حول العمليات الاستخباراتية للمخابرات المركزية الأمريكية، تطرقت من خلاله إلى طلب تقدّم به ديفيد بتراوس مدير الوكالة إلى كل من البيت الأبيض ومجلس الأمن الوطني يسعى من خلاله للموافقة على توسيع سلطة الوكالة من أجل تنفيذ عمليات اغتيال في اليمن عن بعد. الأمر الذي قبل المجلس النقاش فيه.

ويسعى بتراوس للحصول على إذن للقيام بهذه الضربات باستخدام صواريخ من طيارات دون طيار على أهداف ذات نشاطات مشبوهة تم تحديدها حصراً من  الوكالة، دون معرفة تامة بأن هذا الاستهداف يمكن أن يؤدي للإبادة. وعند القيام بكل هذه الأغراض بشكل عملي، فهذا يعني فعلياً تحول أجزاء كبيرة من اليمن من دولة ذات سيادة حليفة عسكرياً مع الأمريكان، إلى منطقة مشتعلة، والتي يمكن أن تكون الصواريخ الأمريكية هي السبب، ويصبح السلاح في متناول الجميع، وتغرق البلاد بالأسلحة، خاصة في المناطق الريفية  التي تخضع لسلطة  العشائر دون الحكومة المركزية.
ويمثل هذا الطلب تصعيداً هاماً في العمليات الأمريكية في اليمن، التي تجرى تحت سقف وكالة الاستخبارات والبنتاغون المشترك في قيادة العمليات الخاصة. كلاهما تستخدم الصواريخ عن بعد كسلاح أساسي. ويتم اختيار الأهداف بناءً على الأقمار الصناعية والتقارير الاستخباراتية المقدمة من  عملائها على الأرض. ووفقاً للتقارير المنشورة فقد وجهت الوكالات الأمريكية على الأقل 27 ضربة ضد أهداف في اليمن خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي أدت لمقتل 250مواطناً.

زاد بتراوس بشكل كبير من حجم العمليات الخاصة في أفغانستان، خلال توليه قيادة القوات العسكرية الأمريكية هناك، واستمر في تركيزه على تغطية العمليات شبه العسكرية السرية منذ عام 2011.
 وهذه الضربات ، كانت إحدى  أساسيات عمليات CIA  في المناطق القبلية في باكستان، والآن يحاول بتراوس نقل هذا النموذج إلى اليمن.
ونقلت واشنطن بوست عن أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، أن واشنطن قد عارضت القيام بعمليات واسعة ضد أهداف في اليمن، ودعت لمحدودية هجمات الطائرات  دون طيار( فقط توجه ضد الذين تتعارض أهدافهم مع أهداف الولايات المتحدة)، وطلبت CIA   اختيار أهداف (شخصية) من القائمة الموافقة عليها من إدارة أوباما. وتوجه الصواريخ فقط عند استهداف هؤلاء الأفراد.
تلك كانت الرواية الرسمية عند الهجوم بطيارة  دون طيار في سبتمبر الفائت والتي أدت لمقتل أنور العولقي، المواطن الأمريكي من أبوين يمنيين والذي عاد إلى اليمن وأصبح داعياً اسلامياً متشدداً..
ومن جانبها أعلنت إدارة أوباما بأن العولقي كان زعيماً لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، ومسؤولاً عن العديد من العمليات داخل الولايات المتحدة، ومن ضمنها عمليتا اطلاق النار في قاعدة فورت هود في  نوفمبر عام 2009، ومحاولة تفجير الطائرة المتجهة إلى ديترويت في الشهر التالي. والعولقي الإبن قد تم استهدافه بالطريقة نفسها في شهر سبتمبر التالي، وهو أيضاً يحمل الجنسية الأمريكية.
وبذلك أصبحت قضية موت العولقي مناسبة للحصول على استثناءات من  إدارة أوباما في معالجة هذه القضايا، لترى لنفسها الحق في اغتيال أي مواطن أمريكي فيما لو كان لديه نشاط معادًٍ دون اللجوء للقضاء.
وأعرب مسؤول أمريكي آخر رفيع المستوى، عن قلقه من توسيع التدخل العسكري والذي سيكون له تداعيات سياسية عظيمة، وبالنظر للاضطرابات السياسية في اليمن والتي زادت من احتقانها بعد سنة من القمع الدموي  والاحتجاجات المناهضة لحكومة عبدالله صالح. وأضاف ( يحتمل  بأنه سينظر إلينا بأننا دهمنا الجانبين في الحرب الأهلية).
ووفقاً لتقرير نشر في الشهر الماضي في لوس انجلوس تايمز، عن تفاصيل هجوم صاروخي في اليمن والذي قامت بها قيادة العمليات الخاصة، بأنه  يسرع من وتيرة وأهداف التوسع.
وبالرغم من ذلك، يمكن أن لا يتم التمييز بين العمليات التي تستهدف المتشددين الذين يتأهبون لقتال الأمريكيين، وبين المقاتلين المعارضين للحكومة اليمنية، وفي الوقت نفسه يؤكد المسؤولون الأمريكيون  أنهم لا يهدفون إلى حدوث حرب أهلية، ولا ينوون إرسال قوات برية لليمن.
ومن خلال دراسة هذه التقارير بتمعن نتأكد من التدخل الأمريكي في إثارة الحرب الأهلية، وتم ملاحظة أن إدارة أوباما قد بدأت بهذه العمليات دون إعلان مسبق كالتي قامت بها في ليبيا في العام الفائت، فالقوات الأمريكية موجودة عملياً على الأراضي اليمنية وتلعب دوراً رئيسياً في توجيه وتسهيل الضربات الجوية.
ومن هذه الزاوية، فإن الأهداف الرئيسة للهجمات الأمريكية كانت في كل من محافظات أبين،شبوة، والبيضاء في جنوب اليمن، والتي كانت إلى حد كبير تحت سيطرة زعماء القبائل، وخارج سيطرة السلطة المركزية، حتى الأمريكان يقرون بسطوة مسلحي القبائل المعارضين للحكومة، ويرفضون الدعم الأمريكي للنظام الديكتاتوري.
ومن المؤكد هناك تنسيق كبير في هذه العمليات بين الولايات المتحدة، والحكومة الجديدة في اليمن التي يرأسها منصور عبد ربه، وفي الشهر الماضي جرت عدة لقاءات بين رئيس الأركان اليمني ومسؤولين من البنتاغون، والذي حث على إعادة تنظيم الجيش لتوجيه ضربات قاسية ضد المتمردين القبليين في الجنوب. والتي تتطلب استخدام الدبابات والمدفعية.
   ونذكر هنا مقتل أكثر من 2000 شخص جراء الحرب الأهلية في اليمن في العام الفائت دفق ما ذكرته وزارة حقوق الإنسان في اليمن، حيث تم مقتلهم من  القوات العسكرية والأمنية التابعة لصالح، وتعتبر اليمن من أفقر الدول العربية، والأفقر في العالم، وثاني الدول من حيث معدل سوء التغذية المزمن بعد أفغانستان التي تحتلها أمريكا.
وفيما إذا وافق البيت الأبيض على طلب وكالة الاستخبارات المركزية، فهذا يعني إقحام المزيد من العسكر في اليمن والمناطق المحيطة بها، بما في ذلك البحر الأحمر وخليج عدن، والممرات المائية المفتاحية للتجارة العالمية، وطرق سير إمدادات النفط من الخليج الفارسي إلى أوربا، وناقلات البترول لمئات الأميال على الساحل اليمني خلال سيرها نحو قناة السويس.
والمنطقة تضم عدداً من بؤر التوتر الجيوسياسية، مثل الصومال، والتي قامت أمريكا بتوجيه عدة ضربات بطيارات من دون طيار، وكذلك عمليات للكوماندوس ضد الجماعات الإسلامية المناهضة للنظام في مقديشو المدعوم أمريكياً، وفي السودان، اعلنت الحرب  على جنوب السودان، واللذين كانا في نزاع مستمر طيلة عدة أشهر على الأقليم في منطقة الحدود بينهما، والذي يحوي حقول النفط التي تشكل المصدر الأساسي لإمداد الصين.