كلينتون و«ترسيم» حدود فلسطين.. والمنطقة

يصر معظم قادة النظام الرسمي العربي- أو هكذا يطلب منهم- على خلق حالة تضاد سياسي بين واشنطن وتل أبيب، وينكرون على الدوام مدى التطابق في الأهداف الإستراتيجية بين الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية. كما تصر الغالبية الساحقة من الحكام العرب أنه بالإمكان تضليل الشعوب العربية وإخفاء مدى وعمق الارتباط بين وجود هؤلاء في عروشهم وبين استمرار مأساة الشعب الفلسطيني، حيث لم ينصروه يوماً على مدى واحد وستين عاماً، بل شاركوا في أخطر المؤامرات الرامية إلى إخماد انتفاضاته المتلاحقة ومقاومته الباسلة ضد الاحتلال الصهيوني.

...نذكر كيف انشغل المسؤولون الرسميون العرب وأجهزة إعلامهم بالإشادة وشرح وترويج خطاب وتصريحات الرئيس باراك أوباما، وخرجوا باستنتاجات قاطعة أنه سيكون «مختلفاً» عن أساليب المحافظين الجدد في إدارة بوش، وسيفتح «صفحةً جديدةً» مع العالمين العربي والإسلامي، وسيضع حداً للتعنت الصهيوني وبالتالي سيتحقق السلام على يديه في المنطقة!!

.. كنا قد حذرنا مراراً بأن تكتيك «التهدئة» الذي اتبعه أوباما بعد وصوله للبيت الأبيض لن يدوم طويلاً ولن يعدو كونه خلطاً للأوراق ومحاولةً لاستعادة زمام المبادرة بعد تعثر المشروع الأمريكي في المنطقة من المتوسط وحتى أفغانستان، وبعد فشل العدوان الصهيوني في لبنان وغزة وتحول خيار المقاومة الشاملة إلى خيار واقعي وحيد لتحرير الأرض واستعادة الحقوق والانتصار النهائي على الاحتلالين الأمريكي والصهيوني.

.. وإذا كان قادة دول الاعتلال العربي قد اجتهدوا في تنفيذ المطلوب منهم أمريكياً للاستفادة من هامش المناورة الذي أعطاه لهم خطاب أوباما التهدوي من أجل إخماد المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وترويض سورية وإيران، فإن النتائج جاءت مغايرة تماماً:

• لم ينجح نظام حسني مبارك في الاستفراد بالقضية الفلسطينية وإلغاء خيار المقاومة الفلسطيني بالتواطؤ مع السلطة في رام الله (فضيحة تقرير غولدستون نموذجاً)، ولم يستطع الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة ولا استمرار اعتقال 11 ألف فلسطيني، أن يرغم الشعب الفلسطيني على التخلي عن خيار المقاومة واستعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. واللافت أيضاً تصاعد روح المقاومة وبشكل غير مسبوق لدى عرب فلسطين المحتلة عام 1948.

• لم تستطع كل محاولات التهوين من انتصار المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006 أن تعزل أو تضعف حزب الله والقوى الوطنية الحليفة له، وقد جاء الكشف عن شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان، واستمرار خرق الكيان الصهيوني للسيادة الوطنية اللبنانية جواً وبراً وبحراً ليؤكد الحاجة ليس فقط إلى بقاء المقاومة وسلاحها، بل توسيع صفوفها بين كل الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية استعداداً للمواجهة المرتقبة مع العدو الصهيوني وهي متوقعة في المستقبل المنظور، لأن القوى الداخلية الموكل إليها مهمة ضرب المقاومة أثبتت عجزها وفشلها عن تحقيق تلك المهمة القذرة.

• إن تحليل عناصر المشهد العراقي يؤكد فشل جميع القوى التي جاءت على دبابة الاحتلال الأمريكي في إدارة شؤون العراق الداخلية كما يشتهي قادة البيت الأبيض وشركاؤهم في السيطرة على الشعب وثرواته والإجهاز على المقاومة الوطنية الحقيقية ضد الاحتلال والتي ما زالت تلاحق القوات الغازية رغم خروجها من المدن الكبرى. ولا يفيد قوى الأمر الواقع (الحالي) التابعة للاحتلال أن تلقي مسؤولية فشلها وخيانتها على سورية أو غيرها من بعض دول الجوار العراقي.

• بعد أن صمدت سورية في مواجهة الضغوط الخارجية (عبر الترغيب والترهيب) ومحاولات العزل القريبة والبعيدة، وبعد أن اتخذت قرارها الذي يتجاوب مع إرادة شعبها بتقليص «الشراكة» مع أوربا إلى «تعاون»، لدواع وطنية واقتصادية، سينعكس كل ذلك إيجاباً على تعزيز صمود المقاومة في كل المنطقة. وبالمقابل ستزداد إمكانية استهدافها من التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي، وهذا ما يتطلب الاستعداد والحذر وتعبئة قوى المجتمع على الأرض وضرب قوى الفساد واعتبار الأمن الاجتماعي- الاقتصادي مكوناً أساسياً للأمن الوطني.

.. أمام كل ما تقدم لا يستغربن أحد ما صرحت به هيلاري كلينتون: «لا يمكن وقف الاستيطان في الأراضي المحتلة إلاّ بعد ترسيم حدود الدولة الفلسطينية»! فأمام هذا الصلف الأمريكي، وأمام تخاذل الرجعية العربية، آن الأوان ليس فقط لتعزيز خيار المقاومة الشاملة ضد الاحتلال، بل لرفع سقف المطالب السياسية وعدم القبول بما يسمى بحدود الرابع من حزيران، والانتقال إلى المطالبة باستعادة الأراضي المنصوص عليها في قرار الأمم المتحدة رقم 181 كحد أدنى يمكن القبول به، وسيأتي زمن ليس ببعيد بالمعنى التاريخي سيصبح الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية فيه نادمين على عدم القبول بذلك، لأن حقوق الشعب لا تذهب بالتقادم