الأرقام المضللة عن فقر المسنين الأمريكيين
بقي الرقم الحكومي المعتمد رسمياً لمعدل الفقر بين كبار السن في الولايات المتحدة ثابتاً دون الـ10%، بلا تغيير منذ عام 1955، رغم أنه كان قد أقِرّ بمعيار أحادي على أساس احتساب قيمة الغذاء فقط دون مراعاة لحاجيات الفرد الأخرى، أو لارتفاع كلفة الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات. وبقي المعدل الأكثر انخفاضاً بين الشرائح العمرية الأخرى منذ ذلك الحين وحتى اليوم، حسب ما أورده مقال كتبته «هوب ين» لوكالة الأسوشيتد برس أوائل أيلول الماضي.
لكن مراجعةً أنهتها مؤخراً الأكاديمية الوطنية للعلوم معتمدة معايير أشمل، تبين أن نسبة معدل الفقر بين كبار السن بلغت 18.6%، ما يعادل 6.8 مليون إنسان، أي حوالي ضعف المعدل السابق 9.7%، ويساوي 3.6 مليون مسن فقير فقط. وبصدد السعي لسنّ تشريع يسمح باعتماد أرقام هذا الكشف الأكاديمي ومعاييره رسمياً، يقول روبين تالبرت، رئيس مؤسسة (AARP) التي تقدم الدعم والتدريب المهني لأصحاب الدخل المحدود من كبار السن «إنها مشكلة اجتماعية مخفية. ملايين المسنين يعيشون على حافة خط الفقر وليس لديهم ما يكفي لتأمين احتياجاتهم».
وفي السياق ذاته، كشف استطلاع أجراه مركز الأبحاث الحيوية «بيو ريسيرش» ونشر مؤخراً أن 40% من العمال والموظفين الذين بلغوا الثالثة والستين عاماً من العمر يرفضون التقاعد بسبب الظروف الاقتصادية المتردية. الأمر الذي علقت عليه صحيفة نيويورك تايمز بالقول «في البلدان المتقدمة الأخرى، يتقاعد الناس بشكل اعتيادي حسب الخطة، للحصول على راتب تقاعدي حكومي أو مخصصات مقتطعة من الشركات. أما في الولايات المتحدة فالضمان الاجتماعي للمسنين يعتمد بشكل أساسي على مدخراتهم الخاصة، التي نالت نصيبها من الأزمة خلال العام الفائت».
لذلك يتخلى القريبون من سن التقاعد عن أحلامهم بحياة مريحة بعد سنين طويلة من العمل، ويتشبثون بوظائفهم. وإذا ما تم اعتماد صيغة الأكاديمية الوطنية، فسوف يعاد رسم خريطة الفقر في الولايات من جديد، على أساس احتساب الكثير من ضروريات العيش، وليس الغذاء وحده. مما سينعكس بدوره على كيفية توزيع الحكومة الفيدرالية لأموال الإعانات بأشكالها المختلفة، وضرورة زيادة مبالغها.
وفقاً لحسابات «مجلس الإحصاء السكاني» سيرتفع معدل الفقر العام، وليس معدله بين كبار السن فقط، من 12.5% إلى 15.3%، أي ما يشمل 45.7 مليون أمريكي. وسيشهد أصحاب الدخول الأقل أكبر زيادة في معدلات الفقر، بسبب ارتفاع تكاليف النقل ورعاية الأطفال، وكذلك المهاجرين، نظراً لعدم شمولهم في برامج المعونات الحكومية إلا قليلاً. مع العلم أن مظاهر ارتفاع معدل الفقر ستكون أكثر وضوحاً في المدن الكبيرة مثل نيويورك وشيكاغو وسان فرانسيسكو بسبب غلاء المعيشة فيها.
لم يعد مقبولاً في هذا الزمن اعتبار خط الفقر على أساس دخل يبلغ سنوياً 21.203 ألف دولار لعائلة مكونة من أربعة أفراد، في ظل الغلاء القائم وارتفاع تكاليف الطبابة والنقل ورعاية الأطفال وإيجار البيوت. فهذا الرقم الذي جعل معدل الفقر يراوح حول نسبة الـ12.5% رسمياً، انعكس، فيما انعكس، سلباً على رسم سياسات مكافحة الفقر أيضاً، بتمويهه المعدل الفعلي القائم.
وعلى سبيل المثال، تبين أن واحداً من كل ثلاثة مسنين يعيش تحت خط الفقر في نيويورك سيتي، عندما طبق «عمدتها» معايير صيغة الأكاديمية الوطنية التي تلاقي القبول لدى مسؤولي مدن أخرى مثل لوس أنجلس، ميامي، واشنطن، سان فرانسيسكو، شيكاغو، وألباني التي أعلن أحد مسؤوليها عن نشر الأرقام الجديدة لمعدلات الفقر خلال شهر تشرين الأول الحالي، رغم أن «مكتب البيت الأبيض للإدارة والميزانية» هو الذي يملي كيفية حساب الفقر على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي سياق المقارنة بين معدلات الإنفاق اليومي لمختلف الشرائح العمرية، ذكرت كارول فليك العاملة في مؤسسة (AARP) أن معدلات إنفاق معظم الأمريكيين قد انخفضت منذ بدء الأزمة، لكن الأكثر انخفاضاً هو معدلات إنفاق المسنين.