ملك السعودية يستضيف «بيرس»!

وم دعا ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز إلى «حوار بنّاء» بين الإسلام والأديان الأخرى، لدى افتتاحه في مدريد المؤتمر العالمي حول الحوار في 16/7/2008، تسرّع البعض وأشاد ببعد نظر العاهل السعودي الذي يريد فتح أسوار «مملكة الصمت» أمام حوار الحضارات في العالم، ومن بينها حوار الأديان.

لكننا لم نؤخذ بظاهر الدعوة السعودية من قصر «باردو» في مدريد، ولا بكلام الملك بأن «المآسي التي مرت في تاريخ البشر لم تكن بسبب الأديان، ولكن بسبب التطرف الذي ابتلي به بعض أتباع كل دين سماوي». لذلك نشرنا في «قاسيون العدد 365» مادةً تحت عنوان «تطبيع ديني»، أوردنا فيها ردود الفعل المرحبة جداً لحاخامات الكيان الصهيوني وأبرزهم الحاخام ديفد روزن الذي اعتبر دعوة السعودية له لحضور «المؤتمر الدولي للحوار» خطوة تاريخية جريئة من جانب السعودية. وقد أشرنا يومها إلى أن الخطوة السعودية هي بداية تطبيع سياسي مع الكيان الصهيوني تحت يافطة حوار الأديان.

وهاقد جاء الإثبات بعد أقل من أربعة أشهر على الخطوة الأولى، حيث تناقلت وكالات الأنباء خبر تلقي شمعون بيرس رئيس الكيان الصهيوني دعوة سعودية رسمية لحضور «مؤتمر حوار الأديان» الذي سيعقد الأسبوع المقبل في نيويورك برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز نفسه. ففي تعليقها على الدعوة السعودية كتبت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية: «هذه هي المرة الأولى التي سيقف فيها رئيس إسرائيل على منصة واحدة مع الملك السعودي وعدد من الأمراء والرؤساء العرب»!

ففي تعليق على الخبر الجديد قال متذوقو الأمثال الشعبية: «بردنا من غطانا»، أي من حكام النظام الرسمي العربي، الذين تهافتوا ويتهافتون على التطبيع مع الكيان الصهيوني بالعكس من الشارع العربي الذي ينزع نحو المقاومة والرد على الجرائم الصهيونية والأمريكية بحق شعوبنا، ليس بالتطبيع والهزيمة، بل بالتزام خيار المواجهة والمقاومة الشاملة فكرياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعسكرياً.

... إذا كان المسجد الأقصى أولى القبلتين، فلا نظن أن «طويل العمر» بن عبد العزيز وأقرانه الأمراء والحكام العرب، لا يعرفون كم مرة تعرض هذا المسجد العظيم إلى جريمة الحرق ومنع ترميم أسواره، واستمرار الحفريات الصهيونية تحت أساساته بحثاً عما يسمى بهيكل سليمان المزعوم، وهل يخفى على خادم الحرمين الشريفين أن المستوطنين اليهود سيطروا وصادروا أراضي ومباني 35 جامعاً و65 مقبرةً إسلامية في فلسطين 1948 والأراضي المحتلة بعد عام 1967؟!

.. هل سيجرؤ العاهل السعودي أو أي من أقرانه العرب خلال جلستهم المتوقعة مع «بيرس» حتى مجرد السؤال عن أحد عشر ألف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال أكثر من ثلثهم من النساء والأطفال؟!

نحن لا نعلق أوهاماً على مثل هؤلاء الحكام، لأن «ألف وا معتصماه لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم». ففي الوقت الذي صمتت فيه السعودية وكل أجهزة إعلامها (وما أكثرها) عن مجرد الإشارة ضد العدوان الأمريكي على مزرعة السكرية قرب البوكمال السورية، تتجرأ السعودية وعلى الملأ بدعوة جزار الأطفال في قانا لحضور مؤتمر دولي يرعاه العاهل السعودي.

ولا نعتقد أن دماء ستة شهداء جدد في غزة بالأمس، (الذين سقطوا بصيغة برقية التهنئة والتنبيه الإسرائيلية المباشرة لباراك أوباما بأن «انتبه نحن هنا!»)، وقبلهم دماء آلاف الشهداء العرب من فلسطين إلى بغداد، ستردع السعودية وغيرها من بلدان ودول «الاعتلال» العربي على وقف مسيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويبقى الشيء الوحيد الذي سيردعهم هو انتفاضة شعوبهم ضد العروش التي خانت الأرض والمقدسات ودماء الشهداء، عبر تقديم العون في السر والعلن للتحالف الإمبريالي- الصهيوني.

إذا كان مجرم الحرب جورج بوش قد ادعى القرب من الله، فليس غريباً ادعاء آل سعود «الوكالة الربانية» بحماية الكعبة والمقدسات الإسلامية.. والإسلام منهم براء!