كارثة القمة.. أم قمة الكارثة؟
عقدت في منتجع شرم الشيخ قمة (عربية)-إسرائيلية تضم: الأردن ومصر وفلسطين ورئيس وزراء الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين. الهدف المعلن هو دعم محمود عباس ووضع أسس للتسوية المقبلة!!
في تقديري أن هذه القمة تسوق بلدان وشعوب المنطقة إلى كارثة، وتعطي مؤشرات خطيرة، بل هي مقدمة لإرساء مرحلة نوعية، تستهدف إغلاق ملف الصراع التاريخي الذي خاضته شعوبنا وماتزال ضد العدو.
إن خطر هذه القمة يكمن في استعانة قوى عربية حاكمة بشكل سافر وصريح بالعدو الصهيوني ضد شعوب المنطقة وقواها المقاومة. والاستقواء بالعدو أكبر من خطر وأشد فتكاً من كارثة.
وللأسف، فإن هذا يحدث بينما العدو الأمريكي والصهيوني يعاني أزمة خانقة ناجمة عن هزيمته في جنوب لبنان، وفشله في العراق وأفغانستان، وهو ما أعاق، ويعيق حتى الآن تمرير مشروعه للهيمنة على المنطقة، أي إخراجه من أزمته واستحضار الأزمة لتفتك بنا، وإعطاء دفعة قوية لمشروع «الشرق الأوسط الجديد»... الخ، والوصول إلى نقطة النهاية في السقوط الاستراتيجي لما يسمى بخيار السلام والمبادرات العربية البائسة، واستبدال ذلك بشكل صريح ومحدد وسافر باستسلام لا نكوص عنه.
هذه القمة أوضحت وعبرّت بجلاء غير مسبوق عن التناقض الرئيسي الذي نعرفه، وهو التناقض بين شعوبنا من ناحية، وبين الإمبريالية والصهيونية وعملائهم المحليين من جهة أخرى.
هذه القمة سبقتها تصريحات وحملة مكثفة عن الخطر الذي تشكله إيران على الأمن القومي العربي والمصري، بدأها أبو الغيط وزير الخارجية المصري وتبعته ميليشيات المطبعين وأبواق الطبقة الحاكمة والإمبريالية الأمريكية والصهيونية على كافة المنابر الإعلامية المصرية الحكومية، وعدد كبير من المنابر الإعلامية العربية، وهذا الزيف شبيه بتصريحات بذيئة سبقت العدوان على لبنان، وكأنها كانت تمهد لها، وكل ذلك موصول بطبيعة الحال بما يحدث في لبنان والهجمة الشرسة على المقاومة اللبنانية بكل صورها، وكذا بالهجمة الشرسة على سورية بسبب رفضها مشروع الهيمنة ورفضها الاستسلام، والهجمة الشرسة على كل أشكال المقاومة السياسية والثقافية، وعلى الهوية.. الخ. أي تنحية التناقض الرئيسي، وافتعال تناقض رئيسي موهوم وأخطار موهومة. ذلك أن المطلوب هو دك وسحق كل مقاومة، سواء أكانت بالسلاح أو بالموقف أو بالكلمة، وسواء أكانت من دولة أو من حزب أو قوة سياسية، أو حتى من فرد، ليصبح الطريق مفتوحاً دون معوقات للهيمنة الأمريكية، أي للمشروع الإمبراطوري الأمريكي بمشاركة الكيان الإسرائيلي.
والخطير المسكوت عنه هو الانقضاض الإسرائيلي لشراء عقارات وممتلكات في العراق على نطاق واسع، أي تأسيس بؤر استيطان فعلي، في الوقت نفسه الذي اضطر فيه ما يزيد على أربعة ملايين عراقي للهجرة إلى خارج البلاد، إضافة للأعداد الهائلة ممن يقتلون يومياً أو يموتون مرضاً وجوعاً. أي تفريغ العراق بقدر المستطاع وإرساء استعمار استيطاني فيه.
كما تعلن الوقائع على الأرض أن العملاء المحليين في كل بلداننا يدركون جيدا أنهم مرتبطون عضوياً بالامبريالية الأمريكية وبالصهيونية، وبالتالي فإنهم لا يستطيعون البقاء دون وجود قوي، أمريكي صهيوني، في المنطقة.
إزاء كل هذا، فإن القمة الملعونة تطرح علينا وبقوة استحقاق المصير والمستقبل «نكون أو لا نكون»، فالعدو بكل مكوناته موحد في رؤيته الإستراتيجية، كما هو موحد سياسياً، أي يعرف ما يريد بشكل صاف ومحدد بالرغم من ارتباكات قد تصيبه حينما تتصاعد المقاومة وتبدع، بل قد يصل الأمر إلى ما هو أكثر من مجرد الارتباك.
لكن المؤسف هو أن قطاعات عريضة من قوانا الوطنية وشعوبنا لاتزال تراوح تجاه قضية النضال المشترك، أو تمارسه بتراخ وشكوك، بل تخوض معارك وهمية تستنفذ قواها، بالرغم من أن الخنادق قد تحددت أو هي في سبيلها لتتحدد بشكل كامل، لكننا نسمع ونشاهد أحيانا أشياء مؤسفة تعبر عن فقدان البصيرة.
لابد أن ندرك ونتعلم أن منطق النضال ضد الامبريالية أمر مختلف كثيرا. وأنه منطق لا يفرض على طرف التخلي عن انتمائه الفكري أو الديني أو القومي – الوطني. إن منطق النضال ضد الامبريالية والصهيونية مستقيم وشريف ونزيه، وأكثر رحابة وعمقاً وعقلانية من أي منطق منغلق منطو ضيق الأفق.
ما يجب أن يعيه الجميع، أنه في إطار المعركة الدائرة الآن فإن الامبريالية والصهيونية وعملاءهم المحليين هم المستفيدون من أي ضيق أفق. إذ في إطار المعارك الدائرة شمل الفرز كل القوى والتيارات. هناك قوميون وإسلاميون وشيوعيون في خندق الوطن. كما هناك شيوعيون وقوميون وإسلاميون قد هجروا مواقعهم السابقة، وانتقلوا إلى خندق الأعداء. ويمتد الأمر إلى كل مكونات إقليمنا: العرقية الإثنية، والدينية والطائفية. إن الخطر يأتينا فقط من الامبريالية والصهيونية وعملائهم المحليين، وهؤلاء ينتمون إلى كل التيارات الفكرية والسياسية، والأديان والمذاهب والأعراق.
إن وجود صيغة للعمل الموحد أو المنسق على كل صعد ومجالات النضال بين القوى الرافضة للهيمنة الأمريكية والصهيونية وكيانها الإسرائيلي، والمقاومة لها وطنياً وإقليمياً، يمكن أن ينقلنا تدريجياً من الدفاع إلى الهجوم، وإلحاق الهزيمة بالمشروع المعادي. وذلك يتطلب تجاوز ضيق الأفق، والتحلي بروح المسؤولية، وإدراكاً إلى حد اليقين لطبيعة التناقض الرئيسي الذي ينبغي حله.
إذا لم ندرك ذلك، وإذا لم ندرك وحدة المستقبل والمصير، فإننا جميعا مقبلون على المحرقة بمحض إرادتنا.