«ليست مجرد لعبة»!
على الرغم من اضطراره تحت ضغط إدارة فريقه ولوائح اللعبة للقول إن تصرفه كان فردياً، وعلى الرغم من التحذير الذي تلقاه من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم لأنه خرق القواعد التي تحظر عرض الشعارات الدينية والسياسية، وعلى الرغم من الإنذار الذي تلقاه أثناء المباراة ذاتها بعد «ذاك التصرف» فقد سجل لاعب كرة القدم المصري محمد أبو تريكة موقفاً وطنياً عميقاً وثقته عدسات الكاميرات للتاريخ مرة وللأبد، وهو كان يدرك أبعاده سلفاً واحتمال استبعاده عن المشاركة في البطولة، بعدما كشف عن شعار باللغتين الإنكليزية والعربية يعبر عن التعاطف مع غزة إثر تسجيله هدفه الأول خلال المباراة التي فازت بها مصر على السودان 3-صفر السبت الماضي في كأس أفريقيا الحالية «غانا 2008».
وحسب الجزيرة الرياضية فقد شهدت الساعات التي تلت المباراة ورود أنباء بأن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم قد يقرر إيقاف اللاعب، لكن المشهد تغير بورود أخبار عن مجموعة رسائل بالبريد الإلكتروني وصلت إلى الاتحاد من الصحفيين ووسائل الإعلام المتابعة للبطولة تعلن تعاطفها مع اللاعب، إلى جانب تردد أنباء عن تضامن منتخبات المغرب وتونس والجزائر مع المنتخب المصري ومع اللاعب تحديداً، خاصة أن تصرفه لم يسبب ضرراً لأحد.
أما الكاتب المصري د. أحمد الخميسي فقد أكد أن نجم كرة القدم المصرية اللامع استهان بإمكانية أن يتخذ اتحاد الكرة الأفريقي قرارا بوقفه عن اللعب وبإمكانية أن يخسر فريقه بخروجه من مباريات كأس أفريقيا وبكل ما قد يعرضه موقفه لغضب أو استياء رسمي ليسجل أبو تريكة «أجمل أهداف حياته كلها».
وتحت عنوان «أبو تريكه يسجل هدفاً بأقدام مصر كلها» أوضح الخميسي أن هذا الهدف احتشد فيه تأييد الشعب المصري كله لنضال شعب فلسطين البطل وصمود غزة. هدف لم يسجله أبو تريكة بقدمه بل برأسه وبقلبه وباعتزازه بكرامته كمواطن مصري. إنه الهدف الذي اجتمعت فيه جنبا إلى جنب كل صفات اللاعب الماهر الفنان مع صفات المواطن الحقيقي .
وتابع الخميسي إن أبو تريكة أثبت لمئات الآلاف من محبي كرة القدم الذين تابعوا المباراة أن الأمر ليس لعبة، وأن تحت سطح كل ما يبدو مألوفاً، ثمة قلب آخر، ونبض آخر، تحت سطح شوارع مصر الهادئة، وتحت سطح منازلها الساكنة، وتحت مظهر البشر الاعتيادي، توجد قضية أخرى، لأن الأمر «ليس لعبة». فلا حصار الفلسطينيين، ولا تجويعهم، ولا كل مساعي الإبادة المستمرة يمكن أن تمر هكذا من دون أن تؤرق مصر، ومن دون أن تثير غضبها وتعاطفها مع غزة . سجل أبو تريكة هدفا بأقدام مصر كلها، بتأييدها لحق فلسطين في التحرر، بعدائها لإسرائيل والصهيونية، بإدراكها أن كل حديث عن السلام هو أوهام، وأنه لا خلاص لمصر من دون أن تتحرر من التبعية.