تحية إلى أكتوبر لينين
قبل 90 سنة أطاحت الجماهير الشعبية الروسية، وبمقدمتها العمال والعاملات، أحد أعتى الأنظمة الاستبدادية لتلك الحقبة، الحكم القيصري في روسيا. وقد شكلت ثورة أكتوبر مرجعا للثوريين في بقاع العالم.
وبطبيعة الحال فإن الدفاع عن ارث أكتوبر لا يتمثل في تبجيلها، بل في تمحيصها على ضوء ما تلاها من تطورات بقصد تأكيد تعاليمها ونقد أخطاء صانعيها في طور بداية بناء الدولة العمالية والعبر والدروس، كونها ثورة شعبية لبت مطالب الجماهير الكادحة وأطاحت بالقيصرية الروسية.
إذا كان لنا ثمة حظ في أكتوبر، فإن ثورة أكتوبر لم يكن لها نفس ذلك الحظ فيما نكتبه من أدبيات، فنحن لا نملك مؤلفاً واحداً يكون لوحة شاملة لثورة أكتوبر تبرز فيها الظروف الحاسمة في الميدان السياسي والتنظيمي.
تجري حاليا حملة تحقير حقيقية لثورة أكتوبر 1917، في الشرق والغرب على السواء. وغالبا ما تكتسي نبرات حاقدة. وتتأسس على عمليات تزوير للتاريخ وخرافات لا تفوقها في شيء تزييفات الستالينية وخرافاتها.
فالبعض لا يعتبرها سوى انقلاب جهنمي قاده زعيم بارع في المناورة، اسمه لينين، ونفذته فئة مغلقة صغيرة من الثوريين المحترفين. غير أن الواقع يقول إن ثورة أكتوبر كانت ذروة إحدى أعمق الحركات الجماهيرية التي شهدها التاريخ على الإطلاق.
كما يحاول صناع البرجوازية الإمبريالية التجني على ثورة أكتوبر والانتقاص من قيمتها التاريخية بدوافع لا تخلو من الحقد، ومحاولة محوها من ذاكرة المضطهدين بسيل من الأضاليل بأن سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 هي نهاية التاريخ، وان الصراع الطبقي انتهى ولم يعد له وجود وأن النظام الرأسمالي وحده القابل للحياة، وأن اقتصاد السوق هو الجنة الموعودة.
إن ثورة أكتوبر أوجدت الحزب الثوري حامل النظرية الذي تولى نشر الوعي الطبقي والسياسي في صفوف الطبقة العاملة ويقوم بتوحيدها عملياً ونظرياً أي انه يساعد الطبقة العاملة على تنظيم نفسها في كتلة متجانسة وموحدة من اجل الإطاحة بالرأسمالية وهذا الحزب ليس بديلا عن الطبقة بل انه يمثل العناصر الأكثر وعيا وتقدما، العناصر التي تدرك صيرورة وتطور ومستقبل الصراع الطبقي.
(وكان البلاشفة يرون أن الثورة لن يكتب لها النصر مالم تبز الخصم وتتفوق عليه على صعيد التنظيم والمناورات التكتيكية والإستراتيجية عالمية الشمول، وهو أمر لاتستطيع بكل تأكيد البروليتاريا والقوى الثورية في الأقطار التابعة أن تحققه بدون توسط حزب طليعي)..
والبعض اعتبرها مؤامرة على الجماهير وليست تحقيقاً لمطالبها. ولكن، باختصار، ماذا مثلت ثورة أكتوبر؟ إنها ذروة حركة جماهيرية عظيمة، قادها نحو استلام السلطة حزب عمالي طليعي وثيق الارتباط بالجماهير. حزب يسعى، قبل كل شيء، إلى تحقيق مطالب السكان الآنية الأكثر إلحاحاً، مع استهداف مرام اشتراكية عالمية ووطنية أوسع.
ومهما اشتد إعصار الإمبريالية العاتية في وجه الشعوب المستغلة، ستظل ثورة أكتوبر تروي للأجيال القادمة عظمة أول محاولة ناجحة لتحرير البشرية من آفة الاستغلال والاضطهاد، والسعي لبناء مجتمع لاطبقي، وهو حلم الإنسانية الأزلي، وستبقى ثورة أكتوبر بريقاً في السماء ينير الدرب للأجيال الماركسية الصاعدة والشعوب المناضلة والبروليتاريا الثورية.
وبعد عصور مديدة من تطور الرأسمالية ووصولها إلى أعمق مراحلها (العولمة)، لم تستطع الرأسمالية العفنة أن تقدم حلولاً لمشاكل الإنسانية جمعاء من فوارق طبقية وتمييز بشتى أشكاله ومشاكل القوميات، صراع الأديان، والكثير الكثير... بل تساهم في تعميق هذه المشكلات وتصدر الحروب والألم إلى الشعوب الفقيرة مما يؤكد ضرورة وآنية البديل بالحلم الأزلي في إقامة مجتمع شيوعي لا طبقي.