عمال مصر يدعون لإضراب شامل في 6 نيسان وأساتذة الجامعة يشاركون
تتصاعد الأعمال الإحتجاجية على مدار الساعة، وتتسع أفقياً ورأسياً. لكن الأهم هو خروجها من حالة التبعثر والمطالب الجزئية. إنها مرحلة كيفية جديدة.
قفزة نوعية في النضال العمالي
حركة عارمة لحشد واسع بهدف التضامن مع إضراب عمال شركة المحلة يوم 6 إبريل المقبل، والعمل على امتداد هذا التضامن بأشكال مختلفة لمواقع عمالية أخرى شهدت إضرابات ناجحة خلال العامين الماضيين، والأهم هو العمل على امتداده بشكل ملموس إلى الشارع المصري. قوى سياسية وطنية من خارج أطر الأحزاب التقليدية المنهارة- هي بداية حقيقية لبلورة حركة سياسية تحالفية متنوعة الإنتماءات الفكرية والسياسية- تشارك عمال المحلة بذل الجهد لجعل يوم 6 إبريل يوماً مجيداً من أيام الطبقة العاملة المصرية والشعب المصري.
إن هذا الأمر يعتبر نقلة نوعية خصوصاً في ظل رفض عمال المحلة لأي تدخل حزبي من جانب الأحزاب التقليدية المتهمة بإفساد أي عمل إيجابي، وهو نقلة نوعية في ظل إرتفاع الوعي السياسي لعمال المحلة الذي ظهر جلياً في بيان أصدروه تجاوزا فيه حصر التركيز على المطالب الاقتصادية البحتة، وهو نقلة نوعية إذ تتضمن حركة الإضراب كتلة قوامها 6 آلاف عاملة بالمصنع كأحد أهم مكونات الحركة الإضرابية، وهو نقلة نوعية إذ يعمل العمال داخل مدينة المحلة ذاتها على حشد أوسع تضامن شعبي خارج المصنع.
وبطبيعة الحال فإن السلطة تعمل على إحباط هذا الإضراب، واقترح عملاؤها في النقابة أن تتم الحركة خارج أسوار المصنع بحجة ضمان تضامن شعبي. وقد رفض العمال هذا الإقتراح الهادف إلى إفشال الإضراب بإلقائه خارج المصنع، ولن تكف السلطةعن محاولاتها ولكنها لن تنجح في مسعاها.
وقفزة نوعية في حركة الأكاديميين
التحولات النوعية لا تقتصر على الحركة العمالية؛ بل إمتدت إلى أساتذة الجامعات حيث تمت الدعوة لإضراب شاركت فيه أعداد كبيرة في العديد من الجامعات، وهذا أمر جديد بلا شك (والملاحظ أن الإخوان المسلمين رفضوا المشاركة في هذا الإضراب). ورغم الجهود المبذولة حكومياً لإفشاله لكن النتائج كانت أكبر من المتوقع، وحسب البيانات المتاحة حتى الآن فلقد أضرب في جامعة الأسكندرية 1500 أستاذ وفي جامعة المنصورة 1000 أستاذ وفي جامعة القاهرة 850 أستاذاً، إضافة إلى جامعة حلوان 100 أستاذ وجامعة أسيوط 50 أستاذ وجامعة قناة السويس 50 أستاذاً وجامعة ألمنيا 50 أستاذاً.. أي أن مجمل المشاركين بلغ 3600 من هيئات التدريس بالجامعات المصرية. لكن الأهم من هذه الأرقام هو التحول النوعي في حركة أساتذة الجامعات، إذ كانت في الماضي تتركز حول قضايا نوادي هيئات التدريس، أو خاصة بقضايا ديمقراطية أو قضايا وطنية عامة. لكن في هذه المرة كان هناك مطلبان للأساتذة، أولهما: تحسين الأجور المتدنية. وثانيهما استقلال الجامعات (أي الجمع بين الإقتصادي والسياسي).
والجدير بالذكر أن الحاصل على الماجستير، أي المدرس المساعد بالجامعة يصل راتبه مضافاً إليه كافة البدلات إلى مبلغ يقل عن 500 جنيه مصري أي أقل من 100 دولار، والمدرس بالجامعة الحاصل على الدكتوراه يصل راتبه بما فيه البدلات إلى حوالي 600 جنيه مصري أي أكثر قليلاً من 100 دولار. كما لم تتحرك المرتبات الأساسية منذ عام 1972.
وبالنسبة لاستقلالية الجامعات فإن السلطة الحالية قد قامت منذ حوالي 15 عاماً أو يزيد بإلغاء مبدأ إنتخاب عمداء الكليات ووكلائها ورؤساء الأقسام، وجعلت شغل هذه المناصب بالتعيين وعلى أساس الولاء، فمكنت غير الأكفاء علمياً وإدارياً من السيطرة على الجامعات وإحكام القبضة الحكومية عليها وهو ما أدى إلى الإضرار الشديد بتطور البحث العلمي وإلى انهيار التعليم الجامعي.
وهكذا فتح هذا الإضراب الواسع باباً جديداً لمشاركة شريحة هامة جداً من الفئات الوسطى في مصر وبشكل جماعي وليس فردياً في قضايا المجتمع والوطن عبر حركة ملموسة وفعالة.
مما سبق يتبين أن التحول النوعي في الحركة الواسعة في مصر ضد هذه السلطة يتمثل في تطور وعي الطبقة العاملة (وإن كان لا يزال في بدايته) صعوداً من الخاص أي المطالب الإقتصادية البحتة إلى الاقتراب الواعي من «العام» أي السياسي، وفي ذات الوقت التطور في أداء الأكاديميين- بفعل الأزمة– بالربط بين «العام» السياسي والخاص الاقتصادي.
تخبط السلطة
إزاء ما يحدث في مصر فإن السلطة الحاكمة تعاني من تخبط شديد في مواجهة الأحداث الجارية. تجلى ذلك في أمرين: الأول هو تدخل رئيس الجمهورية في كارثة «الخبز» بعد وفاة 15 مواطناً في تزاحم الطوابير أمام المخابز، وأسفر هذا التدخل عن حل يثير الإشفاق أكثر مما يثير الضحك والسخرية، تمثل في فصل إنتاج الخبز عن توزيعه. وهذا لا يحل المشكلة التي تكمن بشكل رئيسي في التدني الشديد في إنتاج القمح محلياً إرضاءً للحليف الإستيراتيجي الأمريكي، ويلي ذلك الفساد المستشري في البلاد ومن نتيجته إسباغ الحماية من أعضاء مجلس الشعب والمجالس المحلية المنتمين لحزب الجماعة الحاكمة على الغالبية الساحقة من أصحاب المخابز الذين يبيعون في السوق السوداء جزءاً كبيراً من حصصهم من الدقيق المدعوم بما يقارب 20 ضعفاً لثمنه المدعوم. ولذلك فلن يتم حل مشكلة الخبز في ظل سياسات السلطة القائمة وفسادها، وبالأدق في ظل إستمرارها، وسوف تعاود أزمة الخبز تفجرها بعد فترة قصيرة.
الأمر الثاني المعبر عن التخبط هو مهزلة انتخابات المجالس المحلية، إذ تم منع كل المرشحين المستقلين ومن الأحزاب- باستثناء حزب الجماعة الحاكمة- من التقدم للترشيح بوسائل شتى، باستثناء نسبة صغيرة من مرشحي الإخوان المسلمين، وباستثناء صفقة عقدها كل من حزب التجمع (اليساري سابقاً) وحزب الوفد مع الحكومة لدخول عدد من المرشحين في عدة محافظات وتركت لهما بعض المقاعد. وهذا يدل على إفلاس السلطة والنخبة المعارضة وتخبطهم وعجزهم جميعاً عن خوض مباراة المنافسة الإنتخابية في ظل الأزمات المتفجرة بغير حدود حالياً. وربما تعتقد السلطة أن سماحها لحزبي التجمع والوفد بالحصول على بعض المقاعد سوف يضفي عليها شرعية. لكن ذلك كان يمكن أن يؤتي ثماره في مرحلة سابقة، حينما كانت الخيارات أمام السلطة أوسع، وبالتالي كان يمكنها اللجوء إلى بعض المناورات.
إن الأمور تتطور في البلاد بوتيرة فائقة السرعة. ويبدو أن الكثيرين في سباق مع الزمن.