جوزيف ستيغليتز - «الرأسماليون المجانين»
يستضيف جوزيف ستيغليتز بانتظام مدوّنةً في النسخة الإلكترونية من Vanity Fair؛ حين تدخل إليها، لن تحصل على ورق فاخر، لكنّك بالعين اليسرى ستتمكن من قراءة عبارة «المستشار الاقتصادي الأسبق لويليام كلينتون» وبالعين اليمنى، إذا شئت، تستطيع التفرّج على عارضات المجلة!
في مقالٍ نشره في كانون الثاني 2009، يشرح الحاصل على جائزة نوبل المعروف عالمياً أنّ العالم سوف يدخل مرحلةً تتميز بالخطورة، سيتوجب فيها اتخاذ إجراءات. والحال أنّه ينبغي في رأيه تحديد الأخطاء الأساسية التي أدّت إلى الأزمة الحالية تحديداً دقيقاً لتجنّب الخطأ؛ وهو يقدّم خمسة أخطاء.
- تسريح بول فولكر في العام 1987 من منصبه كرئيس للاحتياطي الفدرالي واستبداله بآلان غرينسبان الذي فتح بأمر من رونالد ريغان الصنبور النقدي إلى أقصى مداه لكنّه لم يحترم المهمة الثانية للبنك المركزي، مهمة التنظيم. نظّم غرينسبان فقاعتين ماليتين: التقنيات الجديدة (2000-2001) والعقارية، رغم أنّه كانت لديه وسائل كبحهما. يلاحظ ستيغليتز أنّ المصارف لم تراهن رهاناً كبيراً عبر القروض التي وافقت على منحها فحسب، بل كذلك عبر المشتقات، وتركها غرينسبان تفعل ذلك.
- تدمير الحواجز: سوف تكون كلفة فلسفة رفع القيود أكثر وطأةً في السنوات القادمة. إنه يدين إبطال قانون «Glass-Steagle-Act» في العام 1999، السائد منذ العام 1933 في عهد روزفلت. كان هذا الترتيب التشريعي يفرض فصلاً صارماً بين مصارف الأعمال ومصارف الإيداع. أضيف إلى رفع القيد الأساسي هذا، العديد من الأقفال التي جرى تحطيمها، وبصورة خاصة معدل استدانة المصارف.
- وضع أدوات استنزاف. قامت إدارة بوش بالتخفيضات الشهيرة على ضريبة الأغنياء التي نعرفها. والحال أن البنك المركزي في هذه الظروف أجرى مزيداً من فتح صنبور الإقراض الذي أدى إلى أن تصبح أمريكا مثقلة بالديون
- كوميديا الرقم. يدين ستيغليتز مختلف الفضائح (إنرون، الخ.) التي تمّت بالتعاون النشيط لهيئات المراقبة ووكالات التأشير.
- الاستنزاف. في الثالث من تشرين الأول 2008، أطلقت إدارة بوش رصاصة الرحمة بفضل ضمانة الدولة الممنوحة للتجاوزات المصرفية. يخلص ستيغليتز إلى أن كلاً من هذه الأخطاء يستند إلى بديهية مركزية: «الأسواق تنظّم نفسها بنفسها وينبغي أن يكون التدخل الحكومي في حده الأدنى».
من المفيد جداً أن نقرأ بقلم ممثل رفيع للمؤسسة الاقتصادية مثل هذه الإدانة للسنوات العشرين المنصرمة. لكن نلاحظ أن النقطة الرئيسية في انتقاد ستيغليتز، مع كل قوته، تتمثل في عدم كفاية وكفاءة رفع القيود. الانتقاد أكيد، لكنه غير كاف نوعاً ما إذا لم تستخرج الخلاصة التي تفرض نفسها. وبالفعل، لماذا ارتكبت في نهاية المطاف هذه الأخطاء الخمسة منذ عشرين عاماً؟ بسبب عدم الكفاءة؟ نعلم تماماً أن لا، فالسبب الأساسي هو رغبة إرضاء أصحاب رأس المال الذين منحوا أنفسهم في السنوات العشرين الماضية أكثر من 10 نقاط من القيمة التي أضافها العمل في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الخمسة عشر. ونستطيع العودة إلى تقرير المنظمة للعام 2008 بعنوان: «النمو ومعدلات التفاوت»، ولاسيما المخطط البياني المفيد جداً في هذا الصدد. وإذا كنا نشيد بالإسهامات التي قدّمها ستيغليتز في المجال الاقتصادي ومسيرته، فإننا لا نستطيع الامتناع عن الاعتقاد بأنّ امتناعه اليوم عن انتقاد النظام نفسه ربما يتّصل بكل العقود التي أمضاها دون إدانة النظام المعني. فبعد كل شيء، كان لمدة زادت على خمسة أعوام، من العام 1995 إلى العام 2000، كبير اقتصاديي الرئيس كلينتون ثمّ البنك الدولي.