لماذا الاتجاه شرقاً؟ هذه قصة بوريسوف
سعد خطّار سعد خطّار

لماذا الاتجاه شرقاً؟ هذه قصة بوريسوف

قبل أسبوعين من انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» في وارسو، فجّرت بلغاريا قنبلة من العيار الثقيل، عبر إعلانها بأن البلاد ليس لديها الرغبة بالمشاركة في إنشاء أسطول دائم للحلف في البحر الأسود، وهو الموضوع الذي شهد محادثات طويلة استغرقت أشهراً، لم تكن تعلن خلالها بلغاريا مثل هذا التوجه.

وفق المنطق الإعلامي الغربي تبدو تهمة «الضغط الروسي» جاهزة لتفسير الظواهر «الناشزة» عن المنطق السائد والمألوف من التبعية التي تبديها دول أوروبا الشرقية لواشنطن ودول المركز الأوروبية. وهذا ما خلصت إليه العديد من وسائل الإعلام الغربية التي سارعت إلى تفسير رفض بلغاريا المشاركة في أسطول البحر الأسود بـ«الضغوط الروسية».

لماذا غيرت بلغاريا رأيها؟

في الواقع، أفشلت بلغاريا هذا المشروع مؤخراً، لأنه وفقاً لاتفاقية «مونترو» لعام 1936، يحق للسفن الحربية من الدول غير المطلة على هذا البحر، أن توجد فيه لفترة لا تزيد عن واحد وعشرين يوماً. وهذا يعني أن إنشاء أسطول حلف شمال الأطلسي الدائم، سيقع على عاتق ثلاثة دول فقط، هي رومانيا وبلغاريا وتركيا، والسفن من الدول الأخرى ستنضم في بعض الأحيان لهم. ما يعني عملياً استنزافاً لبلغاريا التي تعاني أصلاً من أزمات اقتصادية كبيرة دون أن يقوم الاتحاد الأوروبي بأي واجب اتجاهها.

قال رئيس الوزراء البلغاري، بويكو بوريسوف، إنه غير معجب بتوجه هذا الأسطول المعادي لروسيا. وكان هذا الخطاب غريباً بعض الشيء، إذ إن بوربسوف هذا، آخر من يمكن له الوقوف مع روسيا، نظراً لاعتبارات عديدة.

يعدّ بويكو بوريسوف السياسي البلغاري الأكثر معاداة لروسيا، فخلال فترة حكمه، تم باستمرار دفن المشاريع الرئيسية للتعاون الروسي- البلغاري جميعهم. ودمرت قراراته المتسرعة نتائج سنوات من العمل ومليارات من الدولارات من الاستثمارات. وإذا كان من الممكن للكرملين بسهولة فرض القرارات اللازمة على بوريسوف، فلماذا لم يتم فرضها، عندما رفض بوريسوف نفسه بناء خط أنابيب نفط «بورغاس– الكسندروبوليس» الواعد؟ أو بناء محطة «بيلين» للطاقة النووية؟ أو خط غاز «السيل الجنوبي»؟ حيث أن أسلافه في حكومة الاشتراكيين استمروا في العمل على «السيل الجنوبي»، حتى بعد ضم شبه جزيرة القرم وبعد أحداث دونباس، على الرغم من حظر الاتحاد الأوروبي. ولكن فور فوز بوريسوف في الانتخابات جرى وقف البناء فوراً. لماذا لم يستخدم الكرملين نفوذه في ذلك الحين، وانتظر قضية أسطول حلف شمال الأطلسي في البحر الأسود؟

في الحقيقة، فشل مشروع الأسطول الدائم بسبب المشاكل الداخلية، الاعتيادية ليس فقط بالنسبة لبلغاريا ولكن أيضاً بالنسبة للعديد من أعضاء حلف شمال الأطلسي الشرقيين الآخرين. حيث هناك عاملان لرفض بلغاريا هذا المشروع، الأول: هو الخلافات الإقليمية الحادة بين دول بلغاريا وتركيا ورومانيا، والثاني، وهو الأهم: تلمّس الحكومة البلغارية للتغير الحاصل في الموازين الدولية، وبأن طريق «واشنطن» بات لا يعود عليها إلا بالمزيد من الأزمات.

حاله حال التابعين لواشنطن..

صادف أنه في مساء اليوم السابق لإعلان بلغاريا قرارها حول الأسطول، منحت محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية، روسيا 550 مليون يورو كتعويض من بلغاريا. وهذا المبلغ ستضطر بلغاريا لدفعه لروسيا، بسبب أن بوريسوف أنهى الاتفاق على بناء محطة «بيلين» للطاقة النووية. وقد ألغاه تحت ضغط قوي من الغرب، من ثم وجد فجأة أن أحداً لا يسعى في المقابل لحل مشكلة إمدادات الطاقة لبلغاريا، أو وقف ارتفاع أسعار الكهرباء، أو دفع تعويضات للروس. أتعس شيء لبوريسوف في هذه القصة، هو أن الزيادة الحادة في تعريفات الكهرباء في عام 2013 في بلغاريا، تسببت باحتجاجات جماهيرية، انتهت باستقالته، وأدت إلى بقائه ما يقرب من العام في صفوف المعارضة.

من سنة إلى أخرى، أغلق بوريسوف مشاريع الطاقة الروسية واحداً بعد الآخر (خط أنابيب النفط، وخطوط أنابيب الغاز، ومحطة الطاقة النووية)، والغرب لا يرى ضرورة لتقديم شيء في المقابل، باستثناء دعم الاتحاد الأوروبي لوصل بلغاريا مع نظام نقل الغاز في رومانيا.

كان هناك اعتقاد لدى بوريسوف أن بإمكانه، بدلاً من المشروع الروسي، بناء مركز للطاقة على الساحل البلغاري في منطقة البلقان، ما من شأنه تقريب وجهات توصيل الغاز من روسيا، ومن بحر قزوين وإيران. إلا إنه يناقش باستمرار الفكرة مع الزعماء الغربيين، وهم فقط بأدب يوافقون على كلامه ولا يقومون بأية خطوات عملية للمساعدة في التنفيذ.

وهكذا يستمر الأمر لسنوات عديدة: بوريسوف واثق تماماً من أنه ينفذ الالتزامات كلها أمام الغرب، ولا يفهم لماذا لا يحصل على شيء في المقابل..!