اخلعوا نظاراتكم السميكة:  هذه هي الولايات المتحدة..!
مالك موصللي مالك موصللي

اخلعوا نظاراتكم السميكة: هذه هي الولايات المتحدة..!

خلال الأسبوع الماضي، أعلنت حكومة الولايات المتحدة أن اقتصاد البلاد قد ارتفع بين كانون الثاني وآذار من هذا العام فقط عند معدل نمو سنوي 0.5%. وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة، خلافاً لباقي دول العام، تقدر ناتجها المحلي الإجمالي على أساس المعدلات السنوية، فإن ذلك يعني أن الاقتصاد الأمريكي لم ينم بأكثر من 0.1% خلال الربع الأخير من عام 2015.

يشير المحلل الاقتصادي الأمريكي، جاك راسموس، إلى أن هذا البطء في النمو يدل على أن الاقتصاد الأمريكي يتجه بشكل متسارع إلى التوقف على المدى الطويل، إذ أن النمو الضعيف جداً يعني أن الاقتصاد يفقد ما يكفي من الزخم، وبات يُدخل قطاعات جديدة في الركود.

هل هذا يعني أن الاقتصاد الأمريكي كان متوقفاً في الشهور الثلاث الأخيرة من عام 2015؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي النتائج المترتبة على الاقتصاد العالمي الذي يتباطأ تدريجياً بالفعل؟ ما الذي يعنيه ركود اقتصاد الولايات المتحدة بالنسبة لليابان، التي تعاني بالفعل من الركود الخامس منذ عام 2008؟ وبالنسبة إلى أوروبا العالقة في الركود المزمن على المدى الطويل؟ وبالنسبة إلى اقتصادات السوق الناشئة التي تتخبط مع انهيار أسعار السلع والعملات وارتفاع معدلات البطالة، والاتجاه نحو هروب رؤوس الأموال على المدى الطويل؟ في السابق، كانت الولايات المتحدة تتغنى بنموها، أما اليوم، فإن اقتصادها، وبشكل مذل، هو عرَّاب الاتجاه العالمي المتباطئ.

بعض الاتجاهات المثيرة للاهتمام

يشير النمو المعلن بـ0.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من العام الحالي إلى أن اقتصاد البلاد هو أضعف مما يبدو عليه. وهو مؤشر جديد على أن الاتجاه العام لنمو الناتج المحلي الإجمالي يسير نحو تثبيت عملية التراجع الجارية. ففي الربع الرابع من عام 2015، هبط نمو الاقتصاد الأمريكي إلى حدود 1.4%، بعدما كان 2%، وقبل ذلك 3.9%، وعليه، فقد تثبتت فكرة أن الاقتصاد كان يدخل بشكل جنوني نحو التباطؤ السريع خلال العام الماضي، خلافاً للتقارير الاقتصادية كلها التي جرى ترويجها على الإعلام الأمريكي المولع بفكرة الريادة العالمية.

وخلال أكثر من ثماني سنوات، أي منذ ذورة النمو الاقتصادي الأمريكي في عام 2007، نما اقتصاد الولايات المتحدة بمجموعٍ تراكمي لم يزد عن 10.1%. إلا أن الصدمة الحقيقية ستكون هنا: حتى هذه الأرقام هي مبالغ فيها..!

في عام 2013- أي عندما قامت الولايات المتحدة بتغيير الطريقة التي يقدر فيها الناتج المحلي الإجمالي- قامت الحكومة الأمريكية بإضافة فئات مثل نفقات البحث والتطوير وغيرها من الأصول غير الملموسة، والتي عززت بشكل مصطنع الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي فقط من خلال تغيير الطريقة التي يقدر فيها الناتج. أي أن الناتج ذاته، موضوعياً، لم ينمُ، إنما قام المسؤولون عن الاقتصاد الأمريكي بتغيير الطريقة التي يحسب فيها فقط.. لِنقُلْها بصراحة: إنها عملية تزوير واضحة. عملية تزوير «رفعت» الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.3% سنوياً، أي حوالي 500 مليار دولار سنوياً..! وبالتالي، فإن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لم ينم إلا بنسب تقل عن 1% سنوياً، منذ عام 2007 حتى اليوم. وخلال الربع الأخير، أي من كانون الثاني إلى آذار 2016، فإن الاقتصاد الأمريكي لم ينمُ على الإطلاق، بل هو في ركود، وتقهقر، وربما لاحقاً إلى التوقف.

وراء الستار 

السحري

تكاد تكون الفاجعة الكبرى في الولايات المتحدة مرتبطة بما أصاب قطاع الإنتاج الحقيقي من تدهور. إذ انخفض الإنتاج الصناعي (الصناعات التحويلية، والتعدين، والمرافق) بمعدل سنوي قدره (-2.2%) خلال الربع الماضي. بعد أن كان قد تراجع بنسبة (-3.3%) في الربع السابق. أي أن الانخفاض لامس عتبة 6% خلال الأشهر السبعة الماضية. ما يعني أن القدرة الصناعية للولايات المتحدة هي الآن في أدنى مستوى لها منذ عام 2010.

لِنقُلْها علناً، الاقتصاد الأمريكي من الواضح أنه يتوقف. وفوق ذلك، إنها في الواقع ليست المرة الأولى، بل المرة الخامسة له منذ الإعلان الرسمي عن «انتهاء» فترة الركود الأخيرة في حزيران من عام 2009.

السياسيون يلبسون نظارات سميكة..!

رغم هذه الحقائق كلها، إلا أن ساسة الحكومة الأمريكية، ومن وراءهم، ومسؤولي البنك الاحتياطي الفيدرالي، لا يزالون مصرين على أن اقتصاد الولايات المتحدة يبلي بلاءً جيداً. إنهم يحبون ترديد «الكليشيه» التي يزعمون فيها أنهم وفّروا 200000 فرصة عمل. يظنون أن الناس بلا عيون، غير قادرين على فهم أن هذه الوظائف هي بدوام جزئي، مؤقتة، بعقود، برواتب منخفضة، لا فرص عمل حقيقية. إنها الوظائف التي تولِّد تضخيماً اسمياً في كتلة الأجور، وليست الوظائف التي تحقق دخلاً حقيقياً للعاملين فيها.