ترجمة نور طه ترجمة نور طه

تزييف معدلات البطالة الحقيقية في الولايات المتحدة

ذكر مكتب العمل الأمريكي في تقريره الأخير، أن معدّل البطالة في الولايات المتحدة قد شهد زيادةً تُقدّر بـ 236 ألف وظيفة في شهر شباط الفائت.

في حين هبط المعدّل الرسمي للبطالة إلى أدنى مستوياته خلال خمس سنوات، وقامت وسائل الإعلام الأمريكية – إثر ذلك – بمبالغة مضمون هذا التقرير مدّعيةً أن ما ورد فيه من إحصائيات يشير بشكلٍ واضح إلى ما سمته بـ « الانعطاف الاقتصادي «!!.

وفي الوقت ذاته، صرّح البيت الأبيض بأن هذا التقرير يُشير إلى أن عملية (الإصلاح الاقتصادي) التي بدأها أوباما في منتصف 2009 قد بدأت تقطف ثمارها.

بين الخطاب الرسمي والواقع

هذا على الصعيد الرسمي، أما في الواقع، فإن كل هذه الوظائف المُكتسبة التي يتم الحديث عنها حالياً لا تعدو كونها قطرةً صغيرةً في بحر تلك الوظائف التي فُقدت خلال فترة الركود الاقتصادي السابقة.

فقد خسر الاقتصاد الأمريكي خلال فترة الانكماش التي بدأت عام 2008 حوالي 8.9 ملايين وظيفة، ولو استمرت التوجهات الاقتصادية وقتها كما هي، لكانت 5.9 ملايين وظيفة أخرى ستُفقد. وإذا أحصينا عدد فرص العمل التي جرى تأمينها منذ نهاية عام 2009 وحتى الآن فسنجد أنها لا تتجاوز 5.7 ملايين وظيفة فقط!!

وإذا أخذنا معدّل نمو العمالة الوارد في تقرير شهر شباط كمقياس، فسيتبين لنا أن معدل البطالة في الولايات المتحدة لن يعود إلى سابق عهده – في المرحلة التي سبقت الركود – إلا بحلول العام 2017.

إن المردود العائد من فرص العمل الجديدة هو أقل بكثير من مردود مثيلاتها التي فُقدت أثناء الركود. فوفقاً لأرقام التقرير، فإن الزيادة على معدّل الدخول الساعيّة لعمال الإنتاج لم تتجاوز الـ 2% فقط خلال العام الماضي. وللأسف، فإن هذه الزيادة – على ضآلتها – قد تلاشت بفعل ارتفاع الأسعار الذي تلاها.

تراجع نسبة العاملين إلى عدد السكان

كما أن حصة العاملين بدوام جزئي قد نمت من 16.9% في بداية فترة الركود إلى 19.2% اليوم، حيث بات عددهم يُقدّر بـ 2.8 مليون عامل.

لقد توقف – رغم زيادة الوظائف التي تمت في شباط – عدد هائل من الأمريكيين (يُقدّر بـ 130 ألف شخص) عن البحث عن فرصة عمل، مما أدى لانخفاض نسبة مشاركة القوة العاملة بنسبة 63.5% وهو أدنى مستوى تصل إليه هذه النسبة خلال ثلاثة عقود!!

هذا وشهدت نسبة العاملين إلى السكان انخفاضاً ملحوظاً من 63.3% في شباط 2007، إلى 58.5% في شباط 2010. وبالنظر إلى الأرقام الواردة في التقرير الأخير، نجد أن هذه النسبة – 58.5% - بقيت على حالها حتى الآن.

أما فيما يتعلق بالبطالة طويلة الأمد، فقد ارتفعت معدّلاتها أيضاً بشكل كبير كما هو واضح في التقرير ذاته. وبلغت نسبة الأشخاص الذين أمضوا أكثر من 6 أشهر متواصلة بلا عمل 40.2% في شباط، بعد أن كانت 38.1% في كانون الثاني. ولإدراك حجم هذه الزيادة بصورة أفضل، فلنعد إلى نهاية كانون الأول عام 2007 لنجد أن هذه النسبة لم تتجاوز في حينها الـ 17.4% فقط!!

لقد أتى التقرير الأخير حول الوظائف الأمريكية بعد انخفاضٍ مفاجئ أصاب الناتج الإجمالي المحلي للولايات المتحدة في الربع الأخير من عام 2012، وتجدر الإشارة هنا أنه وفي هذا الربع ذاته، انكمشت اقتصاديات الدول الصناعية المتقدمة مجتمعةً بنسبة 0.2%.

أما القطاع الأمريكي، فقد خسر – مرة أخرى – في شباط عدداً كبيراً من الوظائف بلغ عشرة آلاف وظيفة. ومنذ حزيران 2009، تم فقدان 742 ألف وظيفة محلية وفيدرالية ونصف هذه الخسارة كانت من نصيب قطاع التعليم العام.

هذا ومن المرجّح أن يتضاعف الخفض في عدد الوظائف الحكومية خصوصاً أن الحديث جارٍ عن عملية اقتطاع 1.2 تريليون دولار كعائدات عما يُعرف بـ «تنحية» أو «عزل» الوظائف. إن هذا الإجراء – التنحية – سيؤدي لفقدان 750 ألف عامل لوظائفهم وفقاً لمكتب الميزانية التابع للكونجرس، مما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع معدّلات البطالة.

زيادة الأرباح/النهب

وصل مؤشر (داو جونز) الصناعي – في اليوم ذاته الذي أصدر فيه مكتب العمل تقريره – إلى أعلى مستوى في تاريخه. كما حققت أموال الشركات بدورها معدّلاً قياسياً حيث وصلت لما يقارب الـ 1.79 تريليون دولار في الربع الأخير من العام الماضي، محققةً زيادةً كبيرة عما كانت عليه (1.77 تريليون دولار) في الربع الأخير من العام الذي سبقه.

وبدلاً من استثمار هذه الأموال، قامت هذه الشركات – وما زالت – باستخدامها لإعادة شراء أسهمها الخاصة ومن ثم دفع تعويضات قياسية عن أرباح هذه الأسهم ذاتها.

حيث قامت الشركات بزيادة توزيع الأرباح على المستثمرين بشكل هائل، وقد أفادت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأنه من المتوقع أن تقوم مجموعة شركات (S&P 500) الضخمة بدفع ما يزيد على 300 مليار دولار كأرباح، بزيادة كبيرة عن تلك الأرباح التي دفعتها العام الماضي والتي بلغت 282 مليار دولار.

هذا وقد أنفقت الشركات الأمريكية الشهر الماضي 117.8 مليار دولار لإعادة شراء أسهمها الخاصة، وهذا الرقم هو أكبر مجموع تصل إليه هذه الشركات منذ عام 1985.

تناقض عملية الإنقاذ

في حديثٍ له مع صحيفة التايمز البريطانية، قال المحلل الاقتصادي روب لايبارت – والذي يعمل في شركة (بيريني) المالية – ما يلي: « إن الشركات الأمريكية تفيض بالسيولة، وهذه السيولة تقبع في خزائن تلك الشركات دون أن تحقق أي فائدة تُذكر « مضيفاً أنه « على الشركات أن تفعل شيئاً بخصوصها «.

إن الزيادة التي تشهدها عملية إعادة شراء الأسهم اليوم، تُعيد إلى الذهن مرحلة ما قبل الانهيار الاقتصادي عام 2008. وأشارت صحيفة التايمز البريطانية في إحد أعدادها حين تحدّثت عن أن «نشاطاً مشابهاً – المقصود بالنشاط هو إعادة شراء الأسهم – قد جرى حين وصلت الأسهم لمستويات قياسية، حيث قامت مجموعة شركات (S&P 500) أثناء فترة ما عُرف بالازدهار أو الطفرة العقارية – التي انتهت عام 2007 – بتسريع إعادة شراء الأسهم لدرجة اعتبرت الأعلى تاريخياً.

إن معدلات البطالة في أمريكا اليوم، وبعد أربع سنوات مما سُميّ بـ (الانتعاش الاقتصادي)، لم تقترب مجرّد اقتراب من معدلاتها السابقة أثناء فترة ما قبل الركود. فعوضاً عن توجيه استثماراتها نحو القطاعات الإنتاجية، فإن الشركات الكبرى تقوم بتوزيع أرباح أسهمها وتضخيم قيمتها.

إنقاذ النخب

إن هذه الأعمال الي تقوم بها الشركات لا تصب إلا في خانة إثراء النخبة المالية والتي شهدت – في فترة صعود سوق الأسهم – زيادةً كبيرةً في ثرواتها.

ولقد سهّلت سياسة التوسع النقدي التي ينفذها البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمر كثيراً على هذه الشركات. حيث أدت هذه السياسة عملياً إلى إلقاء 85 مليار دولار سنوياً في الأسواق المالية ومنها إلى خزائن كبار الأغنياء.

إن الطفرة التي تشهدها أرباح الشركات والتي سجلت أرقاماً قياسية لمدة ثلاث سنوات متتالية كان يقف خلفها مزيج منقطع النظير من العوامل كالبطالة الجماعية وانخفاض الأجور وتدفق المال مجاناً من البنك الاحتياطي الفيدرالي.

شكلت أرباح الشركات ما نسبته 14.2% من إجمالي الاقتصاد خلال الربع الثالث من عام 2012، وهو أعلى مستوى يتم تسجيله منذ عام 1950، في حين أن حصة العمال من الدخل القومي والتي بلغت 61.7% كانت في أدنى مستوى لها خلال ما يقارب الخمسة عقود.

 

• عن موقع: Global Research