إيلين براون * ترجمة : نور طه إيلين براون * ترجمة : نور طه

حل راديكالي للـ 1/99

«ما بين 35% و 40% مما نشتريه يذهب كفوائد وهذه الفوائد تذهب إلى جيوب المصرفيين والممولين وأصحاب السندات المالية. هؤلاء هم من يقتطع 35% إلى 40% من إجمالي ناتجنا المحلي» البروفيسورة مارغريت كينيدي.

 

 

 

إن ما سبق يساعدنا في فهم الآلية التي تنتقل فيها الثروة من أيدي أصحابها الحقيقيين - الشارع الأمريكي- إلى قبضة الناهبين في وول ستريت الذين وعلى الرغم من أن جشعهم يعدّ سبباً هاماً لازدياد ثراء الأغنياء على حساب الفقراء، إلا أنه ليس السبب الوحيد حيث أن تركيبة النظام المصرفي الخاص لدينا تساهم بشكل كبير في ازدياد هذا التناسب الطردي.

 

واحد بالمئة (1%) كيف يولدون؟

إن الناس الذين يعتقدون أنهم لا يدفعون فوائد كونهم لا يأخذون قروضاً مصرفية وكونهم يسددون فواتير بطاقاتهم الإئتمانية في الوقت المحدد لها سيصابون بمفاجأة كبيرة، فجميع تجار الجملة وتجار التجزئة والموردين يعتمدون على بطاقات الإئتمان لدفع فواتيرهم.

فعلى طول سلسلة الإنتاج كلها يقوم الموردون وتجار الجملة والتجزئة باستخدام البطاقات الإئتمانية لدفع فواتيرهم، حيث يتوجب على كل منهم أن يدفع تكاليف المواد والعمالة قبل أن يصبح لديه منتجٌ ليسوقه لاحقاً. وخلال هذه العملية  يضيف التاجر أو المورد فوائد على تكلفة المنتج الخاص به وتصل هذه الفوائد بدورها إلى المستهلك الذي يتحمل تكلفتها عند الشراء.

وتذكر البروفيسورة كينيدي عدة أمثلة عن رسوم الفائدة في ألمانيا – مسقط رأسها – حيث تصل فوائد جمع القمامة إلى 12% ومياه الشرب إلى 38% و 77% للإيجار في المساكن الشعبية (العامة).

وفي 2010  كانت حصة 80% من السكان من إجمالي الثروة المالية تبلغ 58% ، في حين أن 1% فقط منهم استحوذوا على 42% منها.

وتشير البروفيسورة كينيدي إلى أن الطبقة الدنيا في المجتمع (80% من السكان) تتحمل وزر الرسوم المخفية للفوائد التي تحصّلها طبقة كبار الأثرياء الـ(10%) ، وتعتبر هذه الفوائد بمثابة فوائد ضريبية مرتجعة يدفعها الفقراء بالقوة للأغنياء.

تعد الفائدة المركّبة إحدى المكونات الرئيسية لقروض الرهن العقاري التي تشكل 80% من إجمالي القروض الممنوحة في الولايات المتحدة. وفي حال عدم دفع فاتورة البطاقة الإئتمانية خلال فترة السماح (شهر)، فإن الفائدة ستتزايد بشكل يومي ومستمر. وحتى لو تم الدفع في غضون فترة السماح  فهناك فائدة 2% - 3% لاستخدام البطاقة لأن التجار يقومون بإضافة رسومهم التجارية التي تصل إلى المستهلك.

بطاقات السحب الآلي (ATM) أيضاً لها رسومها، حيث تقوم كل من البنوك من جهة وشركة (فيزا ماستر كارد) – أشهر شركات البطاقات الإئتمانية في العالم – من جهة أخرى بفرض رسوم تصل إلى 44 سنت على كل عملية صرف نقود تتم في حين أن هذه العملية في الواقع لا تكلفهم أكثر من 4 سنتات.

 

التأميم ضرورة عملية

لو كان لدينا نظام مالي يقوم بإعادة الفوائد المأخوذة من الناس إليهم بشكل مباشر فهذا سيعني أن رواتبنا ستزداد بنسبة 50% وسيصبح بإمكاننا أن نشتري 3 منتجات بسعر منتجين.

وعلى الرغم من أن إنشاء نظام للتسديد المباشر للناس هو أمرٌ بالغ الصعوبة، إلا أن هناك طريقة يمكننا من خلالها أن نستعيد الفوائد المدفوعة للبنوك، وذلك عبر تحويل هذه البنوك إلى مؤسسات عامة تعود أرباحها إلى خزينة الدولة وبالتالي تعود الأرباح للناس عبر طريقتين :

إما عبر تخفيض الضرائب، أو عبر زيادة الخدمات العامة وتدعيم البنية التحتية.

هذا وقد تمكنت حكومات عدة دول كأستراليا وكندا والأرجنتين من القضاء على الفائدة بشكل تام عبر اقتراضها من مصارفها العامة.

في عام 2011 قامت الحكومة الفيدرالية الأمريكية بدفع 454 مليار دولار – حوالي ثلث ضرائب الدخول الشخصية لذاك العام – كفوائد مترتبة على الدين الفيدرالي.

ولو كانت الحكومة تستدين من مجلس الاحتياطي الفيدرالي – القادر على خلق ائتمان على سنداتها وتحويل أرباح هذه السندات لمصلحة الحكومة – مباشرةً، لكان من الممكن خفض ضرائب الدخول الشخصية بمقدار الثلث. وليس ذلك فحسب بل إن اقتراض الحكومة من مصرفها المركزي بلا فوائد يمكّنها أيضاً من القضاء على دينها الخارجي المعروف بـ(الدين الوطني).

 

نماذج حية

حتى الحكومات غير الفيدرالية (المحلية) تستطيع التخلص أيضاً من رسوم الفائدة، ففي كاليفورنيا مثلاً بلغ الدين العام للسندات والإيرادات حوالي 185 ميار دولار في نهاية 2010  و وصلت قيمة الفوائد من إجمالي هذا الدين إلى 70 مليار (44%) منه.

ولو حمّلت حكومة ولاية كالفورنيا هذا الدين لبنكها الخاص – الذي يعيد الأرباح بدوره إلى خزينة الولاية – لكانت ميزانيتها ازدادت 70 ملياراً، ولم تكن لتضطر لخفض خدماتها وبيع أصولها العامة وتسريح موظفيها. بل على العكس كانت ستتمكن من زيادة خدماتها العامة وإصلاح بنيتها التحتية المتداعية.

إن الولاية الأمريكية الوحيدة التي تتحكم اليوم في وديعتها المصرفية هي ولاية نورث داكوتا وهي الولاية الوحيدة أيضاً التي نجت من الأزمة المصرفية عام 2008 حيث تتمتع نورث داكوتا بأقل معدل بطالة في البلاد وأدنى معدل رهن وأدنى معدل ديون على بطاقات الإئتمان.

إن 40% من مصارف العالم مملوكة من القطاع العام وتتركز هذه المصارف في الدول التي لم تتأثر بأزمة 2008 المصرفية ، وهذه الدول هي دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين) التي تضم 40% من سكان العالم. ومن الجدير بالذكر أنه وفي الوقت الذي كانت تتخبط فيه الاقتصادات الغربية حققت دول البريكس نمواً اقتصادياً بنسبة 92% خلال العشر سنوات الأخيرة.

تسبب ما يعرف بـ(مخطط التأمين) – الذي تقف وراءه شركات النهب الكبرى في وول ستريت – بخسائر فادحة لعدد كبيرة من المدن الأمريكية، حيث تكبّدت فيلادلفيا وحدها 500 مليون دولار على عمليات تبادل الفائدة وحدها !

 

حل راديكالي

قد يكون تأميم البنوك وإلحاقها بالقطاع العام حلاً راديكالياً، ولكنه أيضاً حلٌ واضح وغير معقد.

فمن خلال تطوير نظام مصرفي عام، يمكن للحكومات الإبقاء على الفائدة وإعادة استثمارها محلياً الأمرالذي يعني – وفقاً للبروفيسورة كينيدي - أن المدخرات العامة ستزداد بنسبة 35٪ إلى 40٪.

وأنه سيجري تخفيض التكاليف في جميع المجالات، كما أنه سيصبح بالإمكان إما تخفيض الضرائب أو  زيادة الخدمات، إضافة إلى تأمين استقرار في السوق يستفيد منه كل من الحكومات والمقترضين والمستهلكين. وبهذه الخطوة يمكن نقل النظام المصرفي والإئتماني الحالي من موقع التغذّي على الاقتصاد إلى موقع تغذيته.

 

* محامية ورئيسة المعهد المصرفي العام.