الجولة الأخيرة..بدأت

رعندما تصل المقاومة إلى انتصارات تاريخية تبلغ المؤامرة ذروتها، ربما تحتاج هذه الفرضية إثباتاً ما، لنتذكر ماتعرضت له المقاومة  إبان أيلول الأسود الذي جاء بعد انتصار معركة الكرامة، كما أن صمود المقاومة في بيروت 1982 تبعه اتصال قيادة منظمة التحرير مع الأنظمة العميلة، ومابعد نصر تموز 2006  زادت مستويات الشحن الطائفي في مسعى لتأريض المقاومة اللبنانية. 

إن هذا الكلام يدفع البعض إلى التوجس ربما، إلا أنه لايشكل تخوفاً كبيراً وخاصة في مرحلة الصعود الثوري للشعوب، بمقدار مايدفع أنصار المقاومة للبحث عن التطور النوعي الجديد في دورها الوظيفي.

حققت المقاومة في غزة حتى اللحظة تقدماً نوعياً مبهراً، سيضعها في موقع المستهدف هذه المرة بأساليب أكثر خباثة تتلاءم مع المتغيرات الجديدة كالثورات العربية، ووصول بعض القوى دوناً عن غيرها إلى السلطة.

تستعد القوى الإقليمية على مايبدو للضغط على المقاومة لقبول التهدئة ليس من موقع الحفاظ عليها أو إمدادها بمزيد من السلاح، بل لتشكل التهدئة مدخلاً لمشروع « هدنة طويلة الأمد» . إن فكرة التهدئة شيء والحديث عن هدنة طويلة الأمد شيءآخر، فالتهدئة قد تكون نتيجة آنية للصراع المستمر، لكن هدنة طويلة الأمد تعني إنقلاباً على المقاومة من حيث دورها ومن ثم بنيتها وموقعها اللاحقين.

فصحيح إن الهدنة ستقوم بناء على معطيات جديدة أهمها وزن المقاومة المتنامي وتراجع دور العدو، لكن المستهدف في هذه الحالة هو مشروع المقاومة الاستراتيجي ودوره في البناء السياسي لأنظمة المنطقة ، والسعي لعدم تحقيق إنجاز سياسي نوعي على صعيد استرجاع العديد من الحقوق المسلوبة.

يقول البعض إن الهدنة ستكون مشروطة برفع الحصار عن غزة وفتح المعابر و وقف الاستهداف العسكري وهذا جيد فيما لو حصل، لكن الهدنة ستفرض أيضاً شروط الاحتلال في منع إمداد وتطوير أسلحة المقاومة، وقطع الاتصال مع باقي قوى المقاومة في المنطقة.

 ناهيك أن مايروج له الآن على صعيد حصد الثمار السياسية لإنجازات المقاومة، هو الذهاب إلى المصالحة  مع تيار أوسلو مباشرة بعد التهدئة. إن هذه المصالحة هي الجزء المكمّل لمشروع الهدنة، فالهدنة ستوقف تطوير مشروع المقاومة، أما المصالحة مع تيار أوسلو فتعني الإجهاز على بنية المقاومة بتطعيمها بتيار التطبيع، في حين يستدعي مشروع المقاومة مصالحة على أساس برنامج وطني شامل تكون المقاومة حجر الزاوية فيه.

 

يعيق هذا المشروع العديد من العقبات:

التيارات الشعبية اليوم وفي كل البلدان العربية  والتي تعي تماماً أن المرحلة مرحلة تحرير ولامجال لتلك الأشكال من التسويات التي تقلل من السقف المطلوب، وإن أية تسوية تدعو لها هذه القوى التي لم تستقر بعد على العروش ورغم الهوامش الأعلى نسبياً والتي يتيحها الوضع الجديد، سيضعها في مواجهة مفتوحة مع جماهير أشد وعياً وتجذراً في النضال لأجل حقوقها.

إن قوى المقاومة اليوم باتت أكثر تنوعاً وأكثر تصلباً، فإن أفلحت مساعي بعض القوى الإقليمية في استيعاب بعضها، فعندها سيتنامى دور قوى أخرى تستطيع تغيير قواعد اللعبة الإقليمية.

إن القوى الجدية الراعية لمشروع المقاومة تدرك –وحيثيات حرب غزة أكبر دليل- أن الوقت الآن للهجوم ولن تتنازل بسهولة عن الاستمرار في مد المقاومة بمقومات صمودها وتطورها.

لا يستطيع الكيان الصهيوني تقديم الحد الأدنى من التنازلات-حتى تلك التي اُشترطت لأجل التهدئة، كفك الحصار وفتح المعابر، ذلك لأن الكيان لايملك ضمانات من أية جهة حتى لوكانت مصر أو قطر أو تركيا، تجعله يضمن ضرب طموحات الشعب الفلسطيني في التحرير.

لا تتجلى في هذه اللحظات مقولة « المقاومة هي الحل الوحيد في مواجهة الاحتلال « كرد فعل مباشر على سلوك ونهج المحتل فقط، بل إنها تعبر أساساً عن مضمون مشروع التحرير وحتى التغيير بكامل مستوياته في المنطقة العربية، ولذلك ستجري أكبر محاولات  ضربه في هذه المرحلة الانتقالية.