ليبيا المحاصرة
كانت الانتفاضة في ليبيا ذريعة للإدارة الأمريكية، كي تملأ الأبيض المتوسط بسفنها ومن جديد (أخبار 10/3/2011) بسفن الأطلسي.
طبعاً ليس ذلك من أجل نصرة الثوار الليبيين، ولا لوضع حد لإبادة القذافي للشعب الليبي، بالعكس هي متواطئة معه، وتنتظر فعله في سحق الانتفاضة، كي تتدخل عسكرياً، وهذه المرة لا لنجدة الثوار، وإنما لاحتلال ليبيا.
النفاق ليس أمريكيا وأطلسيا فحسب، وإنما أيضاً عربياً، فتونس ومصر تمنعان إلى الآن، وصول الأسلحة منهما إلى الثوار، ولا ندري إذا كان يجري تهريب الأسلحة على نطاق ضيق منهما، أو إذا كانت تجري أيضاً معونة سرية بالمرتزقة أو بغيرها لقوات القذافي.
«الأخ» الليبي، الذي فضحت بما يكفي اتصالاته بإسرائيل والاعتماد عليها من أجل توفير الدعم الأوربي والأمريكي له، ما تزال لديه قوة كبيرة فتاكة: لقد اشترى بأمواله المنهوبة من بلده عدداً كبيراً من الناس، ولديه السلاح الجوي، وبوجه خاص المروحيات الفتاكة، وعدد كبير من الدبابات، والثوار هم في معركة غير متكافئة معه. صحيح أنهم أظهروا بطولات خارقة، ومستمرون في ذلك، ولكنهم محاصرون: محاصرون دولياً، ومحاصرون عربياً، ومتروكون وحدهم أمام الوحش، الذي لا يهمه إبادة الشعب بكامله، ويقوم عملياً بذلك.
الثورتان التونسية والمصرية ما تزالان مغلوبتين على أمرهما، ولولا ذلك، ربما تغيرت المعطيات، واستطاعت الثورة الليبية استنشاق شيء من الهواء النقي.
«الأخ» الليبي وصف الشعب بالجرذان، بينما هو صغير في السياسة الدولية، ويضاف إلى الجرذان الصغيرة التي تمسك بخناق المنطقة العربية بقوة الإدارة الأمريكية.
إنه واقع مؤلم، ولكن ما باليد حيلة، مع ذلك، حتى إذا استطاع القذافي قمع الثورة، فلن تقوم له قائمة لملك دون شعب، والنتيجة ستكون غزواً أطلسياً لليبيا، إلا إذا كانت روسيا جادة في اعتراضها على التدخل العسكري ضد ذلك البلد الضحية منذ أكثر من أربعة عقود.
ولكن هل يستطيع الاعتراض الروسي منع الغزو الأمريكي؟ كقوة دولية تستطيع، ولكن كمصالح متشابكة قد يتغير الأمر. إن الصين وروسيا تتماشيان الوقوف في وجه الإدارة الأمريكية، فيما يخص جميع مخططاتها العدوانية. هناك أسباب عديدة لسنا في صددها هنا، ولكن النتيجة هي أن العالم الثالث متروك وحده أمام الذئب الأمريكي.
التطورات في ليبيا هامة جداً وقد تتجاوز مضاعفاتها الساحات الإقليمية وإذا انتصرت الثورة، فسوف يكون النصر لا لليبيا فقط وإنما للمنطقة العربية بكاملها. ولكن هل تسمح لها الإدارة الأمريكية بذلك؟ الكثيرون يصفون الموقف الأمريكي من الخطر الجوي بالمتردد، ولكن متى ترددت الإدارة الأمريكية في مواقفها؟ هل ترددت في احتلال العراق؟ أو في غزو أفغانستان؟ أو في غزو البوسنة وغيرها؟
إن التردد هنا هو موقف، والإدارة الأمريكية تمنح القذافي الفرصة ليذبح الشعب الليبي، وحاشا أن يكون شعبه، وصرحت أكثر من مرة أن الحظر الجوي لا يتم بمعزل عن التدخل العسكري.
الشعب، سواء في ليبيا أم في تونس أم في مصر، لا يمكن أن ينتظر نجدة من الإدارة الأمريكية: إنه ينتظر العدوان فقط. هذه حقيقة يجب لمصلحتنا أن نرضعها لأطفالنا. عاشت ثورة الشعب الليبي والخلود لمناضليه.