محمد الجندي محمد الجندي

نحن وأمن البلد..

إذا صحت تقديرات السودان الرسمي، بأن «إسرائيل» هي التي قصفت سيارة في بورسودان لاغتيال مطلوبين لديها (أخبار 6/4/2011)، يكون ذلك حادثة من جملة حوادث كثيرة، اجتاز فيها العدوان الإسرائيلي المسافات (تونس، الإمارات، السودان، الخ...) لكي يغتال أو يدمّر؛ حيث وقفت الإدارات العربية خصوصاً عاجزة عن بل وغير راغبة في فعل شيء. البلدان العربية مستباحة.

ولكن هل بالمستطاع فعل شيء؟ يلزم لذلك الإرادة أولاً، وهذه تصطدم بالتحالف مع الإدارة الأمريكية، فهذا يمنع أموراً كثيرة، منها النهج الوطني السياسي والاقتصادي: ممنوع سياسياً غير التعاون مع الإدارة الأمريكية في مختلف مخططاتها الإقليمية والدولية، وممنوع اقتصادياً انتهاج سياسة تطوير اقتصادي إلا تحت سقف معين. تطوير الإنتاج ممنوع ويجب الاكتفاء بالإنتاج الحرفي وبالمشروعات الصغيرة التي هي تجارية أكثر منها صناعية لأنها تعتمد استيراد القطع والمواد الأولية ونصف المصنعة، وممنوع استثمار الثروات  الطبيعية وطنياً، وممنوع عملياً بالتالي امتلاك الثروات الطبيعية. وتقول الأدبيات السياسية الرأسمالية الدولية صراحةً إن الثروات الطبيعية هي ملك عالمي، أي ليست ملكاً لأصحابها، أما بالنسبة لإسرائيل فتحديها يشكل خطاً أحمر للإدارة الأمريكية: يجب احترام أمنها بكل ما يتضمنه ذلك الأمن من معنى عريض، ويجب الاعتراف بـ«حقوقها في المنطقة»: حق الاعتراف بها، حق فتح الحدود لها، حق التبادل التجاري معها، حق الركوع لها، الخ... وإذا كان الوضع الشعبي لا يسمح بكل ذلك، فيجب العمل تدريجياً من أجله، لذا لاترصد الإدارات العربية إلا في حالات نادرة مرتكزات التجسس الإسرائيلي في المنطقة. يمكن أحياناً أن يعتقل هنا أو هناك شخص بتهمة التجسس، ولكن مرتكزات التجسس الطائفية والاقتصادية هي في أمان.

ومن هنا تستطيع المخابرات الإسرائيلية أن ترصد المطلوبين لديها في كل مكان يذهبون إليه، وتستطيع أن ترسم المخطط للاغتيال، أو لمختلف أنواع العدوان الأخرى، والرد على ذلك ممنوع.

الإدارات العربية لاتحارب العدوان الخارجي المتمثل بالتجسس، والقيام بأعمال اغتيال أو تدمير، وإنما تحارب من هم في الداخل مفترضون خطراً على الاستقرار.

طبعاً الحفاظ على الاستقرار مطلوب، لكن آلية هذا الحفاظ هي التي تحمل في طياتها غير ما تهدف إليه.

هناك أمران، إذا لم يؤخذا بالاعتبار يأتي الحفاظ على الاستقرار بعدم الاستقرار، الأول هو النهج الوطني، الذي إذا ما فقد، يكون رد الشعب العفوي أجلاً أو عاجلاً، ضده، لأنه في هذه الحالة ردُّ على الاستعمار، والنهج الوطني ليس لافتة، وإنما يعبر عنه مجموع تصرف الإدارة تجاه الشعب، من جهة، وتجاه قضاياه، من جهة أخرى. الثقة بالشعب هي جزء من النهج الوطني، إطلاق الحريات العامة هي جزء من النهج، تطوير الاقتصاد هو جزء من النهج الوطني، محاربة الفساد هي جزء من النهج الوطني، تعبئة البلد للدفاع عن النفس هو جزء من النهج الوطني، والأمر الثاني هو كون الخارج وليس الداخل هو مصدر عدم الاستقرار، ليس بالتجسس فحسب، وإنما بأمور عديدة منها الحصار، والتخريب السياسي والاقتصادي وخلق التوترات الإقليمية والدولية بل والفساد الذي في جانب منه منفعة غير مشروعة، وفي الجانب الأخطر أداة تدمير وتخريب للبلد: مثلاً تهريب الأسلحة، تهريب المخدرات، عقد صفقات مشبوهة، الخ...

بالنهج غير الوطني، وبعدم رصد العدوان الخارجي المتمثل بأمور كثيرة، مررنا بسرعة على بعضها، يعرض البلد نفسه للكثير الكثير من المحن؛ وهو يمر عليها.

6/4/2011