المفاوضات اليمنية موازين القوى تفرض السلام مساراً
تأخر موعد إطلاق مفاوضات السلام اليمنية، التي كان من المفترض أن تبدأ في 18/ نيسان بعد أربعة أشهر من التحضير المكثف، عبر المبعوث الدولي إلى اليمن، اسماعيل ولد الشيخ أحمد. وشهد الأسبوعان الأخيران تحركات واسعة من الأمم المتحدة ومبعوثها الدولي، بغية الضغط على الأطراف اليمنية والإقليمية لتسريع إطلاق العملية التفاوضية..
كان المرد الأول للتأخير هو الخلاف حول ترتيب القضايا الواجب بحثها، والمتعلقة بقرار مجلس الأمن 2216 بخصوص الأزمة اليمنية، إذ ترى حركة «أنصار الله»- ومعها الرئيس السابق، علي عبد الله صالح- أن الانسحاب من المدن وتسليم السلاح الثقيل شرط مسبق للمفاوضات السياسية، بينما تحاول الحكومة المعترف بها دولياً دفع هذا البند إلى مقدمة جدول الأعمال، وهو ما عرقل بالنتيجة إطلاق المفاوضات في موعدها المقرر..
بدايات كسر الحلقة المفرغة
بفعل الضغوط الدولية، لم يطل انتظار اليمينيين التواقين إلى تسريع المفاوضات إلا أربعة أيام، قبل أن يتم القبض «سياسياً» على أطراف النزاع اليمنية لجمعهم في الكويت، هذا التعبير الذي صاغه المبعوث الدولي إلى اليمن بطريقة دبلوماسية أفادت بلهجة التشديد أن «لا عودة إلى اليمن إلا بالسلام».
شهد اليومان الأولان من المحادثات التي انطلقت في 21/نيسان، محاولات الدوران مجدداً في الحلقة المفرغة: أيهما أولاً، تسليم المدن كما تريد «الحكومة الشرعية»، أم بحث الترتيبات السياسية، كما تريد «أنصار الله»، والرئيس السابق، علي عبد الله صالح.
هنا، وضع المبعوث الدولي آلية لكسر هذه الحلقة المفرغة، باقتراحه نقاش البنود الخمسة التي لا تختلف «أنصار الله» والحكومة الشرعية عليها من حيث المبدأ، بشكل متوازِ، لكن الإشارة تجدر هنا إلى أن أقل داعمي أجندة البنود الخمس هو «حزب المؤتمر الشعبي العام» الذي ينتمي إليه الرئيس السابق صالح، إذ يرى أن فيها مخرجاً للسعوديين من المستنقع اليمني، حسب المتحدث الرسمي باسم الحزب، أحمد الحبيشي.
هنا، يمكن القول أن الجانب الأول من الرؤية السياسية لتيار صالح يعبر ضمناً عن مخاوف تهميش دوره السياسي في المرحلة المقبلة، قد تنتجه هذه الصيغة. أما الجانب الثاني من الرؤية المتعلقة بالسقوط السعودي في المستنقع اليمني فهو يقارب الصواب، لكن بقاء السعوديين في هذا المستنقع فترة أطول يعني- على المستوى الإقليمي- إمكانية تفجير منطقة الخليج بأكملها، وهو ما لا يصب في مصلحة اليمنيين أنفسهم. وعليه، يمكن إدراك أن أحد أسباب التصميم الدولي على إنهاء الأزمة اليمنية، هو الضرورة الإقليمية، وليس فقط الضرورة اليمنية المحلية الخالصة.
في موازاة ذلك، نقلت صحيفة «حريت» التركية، أنباءً مفادها أن الحكومة التركية لجأت إلى تجميد أرصدة الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي. فهل لهذه الأنباء- وفي هذا التوقيت- علاقة بمحادثات الكويت؟ وهل تحاول تركيا، المتورطة سورياً، الولوج إلى خط المفاوضات اليمنية؟
الجدير بالذكر أن البنود الخمس التي أعدها المبعوث الدولي شملت الانسحاب من المدن، وتشكيل حكومة أكثر شمولاً، إضافة إلى تسليم الأسلحة الثقيلة، وبحث قضية المعتقلين، والترتيبات السياسية. ما يعني أن مسار الحل قد بات واقعاً، ويجري تذليل العقبات المسبقة على قدم وساق.
الحل مفروضاً على القوى المعرقلة
ظلت محاولات المبعوث الدولي لكسر الحلقة المفرغة بين الوفود اليمنية رهينة كونها فكرة في الجولات الأولى والثانية، لكن المفاوضات المباشرة ساعدت على تثبيت وقف الأعمال القتالية التي شهدت تحسناً بحسب المبعوث الدولي، الذي يراه أساساً مساعداً على تحقيق نتائج سياسية.
وبما أن فكرة المبعوث الدولي بمزامنة الملفات الخمسة هي المخرج الوحيد المتاح من أزمة الأولويات، احتاج ولد الشيخ إلى دفع دولي اتجاه هذه الفكرة، ولم يتأخر كثيراً حتى 25/نيسان أي بعد أربعة أيام من بدء المفاوضات، حيث طلب مجلس الأمن من الأمين العام وضع خطة خلال 30 يوماً للمساعدة في تنفيذ الخارطة المتعلقة بانسحاب الميليشيات وتسليم الأسلحة ومؤسسات الدولة واستئناف العملية السياسية، ليخرج بعدها بيوم واحد المبعوث الدولي مذكراً بأن النقاط الخمس المحددة لجدول الأعمال سوف تبحث بشكل متزامن.
وجاء ذلك على أعقاب توافق أطراف النزاع اليمني على جدول أعمال، هي نفسها التي قدمته الأمم المتحدة انطلاقاً من القرار الدولي 2216، ذلك بحسب تصريح لوزير الخارجية اليمني، عبد الملك المخلافي.
الملاحظ أن مستوى الدعم الدولي لمهمة ولد الشيخ، ومستوى التنسيق مع الطرف الكويتي، وغياب السعودية عن تصدّر المشهد، حمل تطورات لا يتجاوز بعضها 24 ساعة، قبل أن يصدر بيان عن المبعوث الدولي في 28/نيسان، يوضح بأن جلسات المفاوضات التي عقدت يوم الأربعاء تضمنت عرضاً شاملاً لهيكلية إطار العمل مع آلية التنفيذ والتنسيق بين الأطراف المختلفة، وأوضح البيان أن «هذا الإطار يشكل تصوراً مبدئياً للمرحلة المقبلة، ويشمل الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية كافة للوضع في اليمن، وقد قام بالعمل عليه مجموعة من خبراء الأمم المتحدة تماشياً مع قرار مجلس الأمن 2216، ومبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات الحوار الوطني».
يشير هذا البيان الأخير إلى أن فترة حوالي أسبوعين فقط، كانت كافية لتقريب وجهات النظر أحياناً، والإجبار إن لزم الأمر في أحيانٍ أخرى، حينما فرضت القوى الدولية أو بشكل أدق موازين القوى الدولية والتطورات الإقليمية نفسها الحل السياسي كمخرج من الأزمة اليمنية.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام القليلة القادمة تطورات واسعة التأثير على المستوى العسكري اتجاه تخميده، وتصعيد العمل على المستوى السياسي، حتى يعود اليمنيون إلى بلدهم بالسلام، فالضغوط الدولية تحيط بقاعة المفاوضات حتى إنجاز مهمتها، ولا عودة إلى اليمن إلا بالسلام!