شيرين ذياب شيرين ذياب

كامب ديفيد.. مراجعة لأجل التراجع

تؤكد الأحداث الجارية اليوم على مستوى الوطن العربي والعالم أن صراع الشعوب من أجل البقاء لا ينتهي ذلك بالرغم من مروره في مراحل يتم فيها التعتيم الكامل على ماجرى في الواقع بشكل حقيقي. لقد نال المنطقة العربية القسط الأعظم من هذا الشكل من تهميش جياعه وفقرائه بحيث أصبح من الصعب تبين مايجري في الدول العربية حتى بالنسبة للعرب أنفسهم وبالرغم من التطور الإعلامي الهائل مؤخرا. تظهر مصر اليوم من جديد ومع ظهورها فُتحت ملفات مهمة مجدداً من تاريخ المنطقة، و تحتل إتفاقية كامب ديفيد موقعاً مهماً في التاريخ السياسي للمنطقة، حيث إنها عادت لتضع الطبقة السياسية الحالية تحت محكمة الشعب، فالشارع المصري الآن بات يبحث عن ممارسات تحدد شكل السياسة المصرية الحالية وهو يعيد قراءة ماجاءت به المعاهدة .

قام أنور السادت بتوقيع معاهدة كامب ديفيد مع «إسرائيل» والولايات المتحدة تحت عنوان عريض جدا وهو السلام الشامل والدائم، وقد لاقت الإتفاقية في وقتها أصداء مختلفة فالبعض كان يرى فيها حالة خلاص مصر من التردي الإقتصادي والاجتماعي وإبعاد الشارع المصري عن ويلات التصادم مع العدو «الإسرائيلي» الذي كانت أسطورة قوته تغزو العالم العربي عبر الدعم الإعلامي الأمريكي وتلك الأسطورة كانت الذريعة التي استخدمها السادات وقتها للدفاع عن خيانته أمام الشعب وأمام التاريخ إلا أن القسم الأعظم في مصر والشارع العربي آنذاك أدرك خطورة هذه المعاهدة على العرب ومصر من عدة زوايا وبمستويات مختلفة.
رأى اليساريون والقوميون العرب في هذه المعاهدة بشكل أساسي أنها اعتراف صريح بالكيان الصهوني كدولة لها سيادة على الأراضي التي إغتصبها وبناء عليه يحصل الكيان الصهيوني على حق نشر الجيش على الأراضي المسيطر عليها المتاخمة لسيناء وهو ماحدث فعلا، فهاهي القوات «الإسرائيلية» اليوم تقوم بتدريباتها في صحراء النقب وتنشر جنودها في أرض سيناء  كما أعطى «إسرائيل» حق العبور في مياه مصر والإستفادة من الملاحة وتمييز رعاياها ودعم إقتصادها عبر الإتفاقيات الإقتصادية.
 تم تأمين حدود «إسرائيل» عملياً من جهة مصر وهو مكسب سياسي وعسكري حتى الآن، من جهة ثانية تم ضرب مفهوم الوحدة العربية أو الخطوات الأولى التي سعت لتعميق مفهوم التضامن العربي، حيث تم ضرب الفرز الوطني في ذلك الوقت والذي كان يقوم على أساس رفض الكيان الصهيوني وعليه كان الشارع المصري والعربي يغلي في تلك المرحلة بسبب إدراكه أن هذه المعاهدة هي معاهدة استسلام لا سلام .
لم يكن الحديث عن المعاهدة شيئا جديداً في مصر، فقبل ثلاث سنوات من تاريخ المعاهدة حضر السادات لها، وقد اضطر أن يواجه التيار الناصري وبعض دكاترة الجامعات والصحفيين واليساريين الذين انتقدوا سياسته حيال «إسرائيل»، وقامت مظاهرات مناهضة لمشروع المعاهدة حتى وصل الأمر إلى المطالبة بطرح المعاهدة للاستفتاء من قبل الشعب المصري إلاأنه استمر في مشروعه .
لقد تم ضرب البرجوازية الوطنية آنذاك وتشكلت البرجوازية الطفيلية واستطاعت الولايات المتحدة تجنيدها بهدف تحقيق مكاسبها الذي كان الإعتراف ب»إسرائيل» أحد أهمها عبر تقديم الدعم لها من خلال مشاريع الإنفتاح الإقتصادي التي بدأت في عهد السادات ودخول الرساميل الغربية إلى مصر.
من المهم هنا ذكر تنبه الأحزاب السسياسية إلى الخطورة في تحول النهج الإقتصادي وتمكين الغرب من مفاصل الإقتصاد في مصر فقد سبقت الانتقادات لسياسة حكومة  السادات الإقتصادية رفضهم للمعاهدة إلا أن غياب برامج سياسية وإقتصادية حقيقية لهذه القوى دفع بهم إلى الإكتفاء برفض خجول للقرارات التي اتخذها السادات في مصر.
في الوقت الراهن وبعد سلسلة التطورات التي تعيشها المنطقة تبلور بوضوح أثر هذه المشاريع والمعاهدات على المنطقة تاريخياً فقد حولت هذه المعاهدة جوهر الفرز الوطني بين القوى السياسية، فبعد أن كانت المساومة على القضية الوطنية وهي تحرير الأراضي العربية وخاصة الفلسطينية أمراً مرفوضاً بشكل قاطع أصبحت هناك قوى تدعم سياسة الولايات المتحدة و»إسرائيل» علنا وتنفذ أجندتها، كما تم تحييد الصراع العربي- «الإسرائيلي» وطرح أشكال وهمية كالصراع الطائفي أو الديمقراطية الشكلية  وذلك للتعتيم على جوهر الصراع المستند إلى قضيتين أساسيتين:

أولا- القضية الطبقية نضال الجماهير الاقتصادي الاجتماعي في سبيل مصالحها.
ثانيا- القضية الوطنية وإعادة الدور التاريخي لمصر في قضية الصراع العربي «الإسرائيلي».

لقد تجاهلت حكومة مصر الجديدة بقيادة مرسي إتفاقية كامب ديفد وهذا مؤشر على البنية العميلة للإخوان واكتفت بالتطرق إلى أسعار الغاز المصري المباع ل»إسرائيل» وعملت على تسهيل عزل غزة بعد مشكلة سيناء وجرّت الجيش المصري إلى شكل من أشكال العمل مع الجيش الصهيوني في ماسمي بعملية تطهير سيناء الأمر الذي يؤثر على المدى البعيد على نهج القوات المسلحة المصرية الذي عرفناه مشرفاً.
إن عدم قدرة المصريين في أواخر السبعينيات على إفشال مشروع المعاهدة لا يعني أن المعاهدة قابلة للاستمرار فالمرحلة الراهنة تحمل تطورات جيدة قد تشكل موطئ لخطا ثابتة ومشرفة.