أردوغان «مجاهداً»..
انعقد المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان، وحضر المؤتمر مجموعة من الرؤساء والزعماء في المنطقة والعالم، منهم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس، وأمين الجميل رئيس حزب الكتائب اللبنانية، والرئيس محمد مرسي، وراشد الغنّوشي، ونائب الرئيس العراقي في العراق طارق الهاشمي، والمستشار الألماني السابق غير هارد شرويدر، وغيرهم.
ألقى أردوغان خطاباً حماسياً طويلاً، جال فيه في التاريخ التركي البعيد والقريب، وتغنّى مستشهداً بأبيات من الشعر للشاعر التركي الإسلامي سزائي قراقوتش بأسماء المدن الإسلامية، نيقوسيا ومقدونيا وسراييفو والقاهرة والقوقاز ورام الله ونابلس والقدس والسليمانية وبغداد ومكة والمدينة المنورة، وطالباً السلام لمدن سورية مثل دمشق وحلب والرقة وإدلب وغيرها، ووصف المعارضين السوريين بأنهم «أبطال» في «حرب الاستقلال» بينما لم يشر إلى أي مدينة إيرانية في سياق حديثه هذا، في دلالة طائفية واضحة، إذا ما أخذنا بعين الإعتبار الضيوف الحاضرين وخلفياتهم الإيديولوجية الدينية.
عاد أردوغان إلى أمجاد التاريخ السلجوقي والعثماني والإسلامي من خلال دعوته إلى الإحتفال بالذكرى الألف لمعركة «ملاذكرد» التي انتصر فيها السلاجقة بقيادة ألب أرسلان على البيزنطيين، وفتح الأناضول أمام السيطرة السلجوقية، وحيّا أردوغان مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتتاتورك والسلطان محمد الفاتح والسلطان سليم الأول والسلطان سليمان القانوني.
وأكد أردوغان أن عهد الإنقلابات انطوى إلى الأبد، متهماً حزب الشعب المعارض بتدبير الإنقلابات العسكرية.
وحول الأزمة السورية قال أردوغان إن تركيا ستواصل دعم المعارضة السورية لوجستياً، وستواصل استقبال اللاجئين، واصفاً النظام السوري بأنه» قاتل لشعبه». ودعا أردوغان إيران وروسيا والصين إلى إعادة النظر بمواقفها مما يجري في سورية.
أكد أردوغان أن العلاقات مع «إسرائيل» لن تعود إلى مجراها إلا بإعتذار الأخيرة عن حادثة سفينة مرمرة، ولم يشر في كلمته لا إلى الإحتلال الإسرائيلي ولا إلى المستوطنات ولا إلى تهويد القدس!!.
وكان لافتاً أن خالد مشعل بايع أردوغان زعيماً للأمة الإسلامية في كلمته أمام المؤتمر، وأكد مشعل دعمه «للثورة» في سورية في تكرار واضح للسياسات التركية، وفي تجاهل واضح لاحتمالات عودة العلاقات بين تركيا و»إسرائيل» بمجرد اعتذار الأخيرة، وتجاهل وجود تركيا كعضو قديم في حلف شمال الأطلسي.
تضمّن المؤتمر العديد من الإشارات الأخرى المشابهة لما سبق، والتي حملت دلالات واضحة برغبة حزب العدالة والتنمية التركي استعادة النفوذ التاريخي للدولة العثمانية بعماديها الديني والقومي، وبرز ذلك من خلال التأكيد على الإرث العثماني والسلجوقي والإسلامي، وإطلاق هذه المفردات في الوعي العام. من جهة أخرى تم التأكيد على جمع المجد من طرفيه، الشرقي عبر التواصل الثقافي والتاريخي والروحي، والغربي من حيث اصطفاف تركيا الفعلي في حلف شمالي الأطلسي وسعيها للدخول في الإتحاد الأوربي.
ويمكن بسهولة ملاحظة الدور الذي يلعبه حزب العدالة والتنمية عبر وجوده في الحكم، ومن خلال توجهات مؤتمره هذا، في دعم الاتجاه الإخواني في المنطقة، من خلال حضور مشعل ومرسي والغنّوشي، والبيعة الفجّة من جانب مشعل لأردوغان وتنصيبه حاكماً على العالم الإسلامي. والميزة الأساسية التي تسم حركة الأخوان- والتي تتجلى في أسلوب أردوغان نفسه في التعامل مع ملفات المنطقة خير تجلِ- هي ممارسة سياسات ملتبسة فيما يرتبط بالغرب و»إسرائيل» فأردوغان نفسه الذي أتحفنا بإستعراضات إعلامية برّاقة ضد الحرب الصهيونية على غزة-وهذا هامش أعطي له غربياً- لم يقطع علاقات بلده ب»إسرائيل»، ولا يزال مكتب السفارة «الإسرائيلية» في تركيا مفتوحاً بعد عودة السفير «الإسرائيلي» إلى «إسرائيل». ناهيك عن الشرط الواهي الذي وضعه لعودة العلاقات مع الكيان، والمتمثل بإعتذار «إسرائيل» لتركيا عن قتل النشطاء الأتراك الذين كانوا على متن سفينة مرمرة. من جانب آخر جاء المؤتمر تنشيطاً لدور الحركة الإخوانية في تعميق الفالق السنّي- الشيعي في المنطقة من خلال الصراع مع إيران سياسياً واقتصادياً بما يصب في مصلحة السياسيات الغربية في المنطقة بشقيها الأميركي والأوربي.
وعلى مايبدو أن أردوغان الذي سيكون للمرة الأخيرة رئيسا للحزب وللحكومة حيث ينص النظام الداخلي على عدم البقاء في الموقع ذاته اكثر من ثلاث مرات متتالية،
(وفي الواقع فإن تعديل النظام ممكن)، يعتزم الترشح إلى رئاسة الجمهورية في العام 2014، حيث سيبقى فيها خمس سنوات.
هذا وقد يجدد لنفسه خمس سنوات أخرى ليحتفل بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية وهو زعيم لها خاصة بعد أن أظهر نفسه لأول مرّة قائداً جهادياً- من غير المعروف ضد من- ولكن بالتأكيد ليس ضد الغرب أو «إسرائيل» طبعاً، وذلك عندما وصف حاله في المؤتمر بأنه «خرج إلى السياسة لابساً كفناً أبيض مثلما لبس السلطان السلجوقي ألب ارسلان كفنه».