عاد ليئد الثورة..
عاد الرئيس اليمني بعد أن أنقذت السعودية حياته وأزالت التشويهات عن وجهه وصدره وعمقت التشويهات السياسية في دماغه، وكان كل ذلك بمتابعة أميركية على الصعيدين الطبي والسياسي.
قبل أن تهبط الطائرة على أرض اليمن كانت الدبابات والمدافع والطائرات تقصف ساحات وميادين المتظاهرين وأماكن تجمعات قبلية وكان ضحايا استقباله قرابة خمسين شهيداً، فما هي حقائق الأمور في اليمن؟!
الولايات المتحدة الأميركية تنصلت ظاهرياً من الساحة اليمنية واكتفت بترداد عبارة «نقل السلطة»، وكان ذلك دلالة على اهتمامها بأن تحافظ اليمن على السياسات التي أتبعها علي عبد الله صالح والمعروفة بالتنسيق العسكري والأمني تحت حجة محاربة الإرهاب، وتغلغلت في الجيش اليمني وفي أطر المستويات السياسية العليا، وتخشى إدارة أوباما من الثورة اليمنية وأفاقها وتأثيراتها على منطقة الخليج. ورغم أن الثورة اجتازت أشهراً إلا أنها حافظت على طابعها السلمي وبذلك أربكت الخطط المعادية للشعب اليمني وأحبطت المحاولات المتتالية التي سلكها علي عبد الله صالح لتحويل الوضع إلى حرب أهلية مدمرة.
إن سياسات الولايات المتحدة أخفت في طياتها خطط تحويل اليمن إلى قاعدة عسكرية وأنجزت في ذلك خطوات استراتيجية عبر اتفاقات غير معلنة وأصبحت طائراتها حرة في الأجواء اليمنية.
لاذت الولايات المتحدة وراء دور للسعودية ومجلس التعاون الخليجي لمعالجة الوضع في اليمن، وفي الوقت نفسه جرى اتفاق على الخطوات التي من شأنها الحفاظ على السلطة اليمنية ودورها ومهامها، إذا تطورت الأمور وجعلت تنحية علي عبد الله صالح ضرورة لا مفر منها. وكانت السعودية الأكثر انسجاماً مع تلك الخطة فكانت مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي التي أحبطها علي عبد الله صالح برفضه توقيعها، وقد طرح ذلك تساؤلاً هاماً كيف لرئيس اليمن أن يحبط تلك المبادرة لو أن السعودية جادة في تنحيته الفورية. إن إدارة أوباما فهمت أن المبادرة لاستهلاك الوقت عل ذلك ينشر اليأس في صفوف الثوار اليمنيين ويمنح المملكة السعودية وقتاً إضافياً للتأثير على القبائل التي دعمت الثورة، ويعيد «التوازن» للشارع اليمني. إن السعودية تريد نقل الملك إلى نجل الرئيس اليمني فهو المعد لمتابعة المهام والحفاظ على العلاقات الإقليمية والدولية التي التزم بها الرئيس اليمني، إلا أن المناخ الذي وطدته الثورة في الوعي الشعبي يرفض ذلك وقد عبر الثوار عن حقيقة الأمر عندما رفعوا شعارات واضحة ترفض وصاية السعودية على اليمن وثورته.
إن تعقيدات الوضع وارتقاء الثورة وطنياً وضعت السياسة الأميركية والسعودية في مأزق كبير، وأصبحت الثورة مثالاً على نفاق الأميركي الذي يتخذ زوراً وبهتاناً، رداء دعم الثورات الديمقراطية والحرية والعدالة، وإنهاء الحكم الدكتاتوري بتركيبته العائلية قبل كل شيء، ومساراته القبلية أيضاً.
أما السعودية فليس من جهد ضروري للبرهنة على عدائها للثورات ولكل القوى الديمقراطية الوطنية. أليس تصعيد الوضع في اليمن بعد عودة الرئيس اليمني مباشرة هو المؤشر الملموس على حقيقة أن السعودية وإدارة أوباما وصلتا إلى مرحلة تريان فيها أن التصعيد ومواجهة الثورة بالسلاح أصبح الباب الوحيد الذي ينبغي ولوجه لإحباط الثورة وفرض الوريث رئيساً على اليمن تحت عنوان تلبية مطالب الثورة.
مازال شباب الثورة ومادتها وقواها السياسية يقفون على أرضية سلمية الثورة وخارج المدن الكبرى مثل صنعاء وتعز وغيرها يضطر رجال القبائل للدفاع عن أنفسهم وبيوتهم وأطفالهم ونسائهم.
ولا يبخل الرئيس اليمني باستمرار رفع لافتة الدستور، ويعلن أن الفراغ الدستوري سيؤدي للفوضى، وأنه لن يترشح في الانتخابات القادمة، وكل ذلك حيلة مفضوحة وخديعة «دستورية»، ترمي إلى أن تجرى الانتخابات القادمة على إيقاعات الانتخابات السابقة ووفق خططها وآلياتها وذلك هو ما تريده الولايات المتحدة والسعودية، هكذا فالرئيس اليمني هو من صاغ الدستور ويريد لليمنيين أن يأخذوا به بقوة السلاح وتحت وابل قذائف الدبابات والمدافع والطائرات.
إن سلمية الثورة لم تكن مطلوبة من تلك القوى بما فيها السعودية والولايات المتحدة. إن يمنا ضعيفاً إثر تصعيد المعارك يؤدي ليمن محبط تنهكه الانقسامات الاجتماعية وتتوطد في جسده التشققات القبلية ويصعب عندها تضميد الجراح، وتتكون مناخات التدخل في شؤونه الداخلية من السعودية والولايات المتحدة، ناهيك عن أنهم يرون في تلك المناخات خير سبيل لوأد الثورة اليمنية وتهميش قواها إن لم يكن الانقضاض عليها كما فعل علي عبد الله صالح في مراحل قديمة حيث أوقف الشمال ضد الجنوب تحت مزية أنه يريد يمناً ديمقراطياً وطنياً، فانتهت دكتاتوريته إلى يمن ترتع به المخابرات الأميركية والسعودية وتتحول السلطة إلى الدكتاتورية المعادية لمصالح الشعب باسره.
إن الشعب اليمني يتابع ثورته السلمية وتزداد عزلة النظام وينكشف دور السعودية والولايات المتحدة، ويطمئن رئيس اليمن إلى موقف الدول الإمبريالية. وقد قطعت الثورة أصعب المراحل ولم تعد مدافع ودبابات علي عبد الله صالح قادرة على تغير مسارات الثورة أو إحباط أهدافها.