«لقاءات عمان».. تأكيد على خيار المفاوضات!
جاء اللقاء الذي شهدته العاصمة الأردنية بين سلطة الحكم الذاتي المحدود، ومبعوث حكومة العدو، الذي دعت إليه ورعته وزارة الخارجية الأردنية، ليعيد لساحة السجال السياسي الفلسطيني أوجه الاختلاف على قضايا مفصلية فيالنضال الوطني، بعد ما يقارب الأسبوعين على لقاءات المصالحة، التي افترض أصحاب النوايا الحسنة ممن شاركوا في حواراتها، على أن تكون بداية لمرحلة جديدة. لكن النوايا الطيبة لا تكفي في تجربة العمل الفلسطيني، لترسمطريق الخلاص لشعبنا، طالما أن هناك طرفاً يريد من كل الخطوات والخيارات أن تقود إلى المفاوضات، التي أكد عدد كبير من المتحمسين لها، أنها على مدى عقدين تقريباً، قد انعكست سلبياً على الشعب الفلسطيني، لتحققلحكومات العدو المتعاقبة «انتصارات» جديدة.
لقاء عمان بين صائب عريقات و«يتسحاق مولخو»، وبمشاركة اللجنة الرباعية، كان ثمرة لجهود أردنية استمرت لعدة أسابيع، حرص خلالها البلد المضيف على بعث رسالة لكل «من يعنيهم الأمر»، خاصة، واشنطن التي سيقومالملك الأردني بزيارتها قريباً، من أن للأردن دوراً في «العملية السلمية التفاوضية»، وبأن كل التحركات الاستفزازية لـ«زعران التلال» الصهاينة، والتصريحات العدوانية لبعض المسؤولين في كيان العدو، حول غور الأردنوالمملكة بشكل عام، ورهان البعض على نتائج الارتجاجات الداخلية الأردنية، كل ذلك لن يعمل على «تقزيم» دور الأردن بالمنطقة، ودفعه للانكفاء داخل حدوده الجغرافية. لكن اللافت لنظر المراقبين، أن الدعوة والتحضيراتجاءت من الخارجية، ولم تكن كالعادة المتبعة منذ سنوات، من «الديوان الملكي» الذي يتابع ملف المفاوضات والعلاقة بين الجانبين. وهذا ما دفع البعض للاستنتاج، من أن الرهان على تحقيق اختراق أو قفزة كبيرة للأمام في هذاالمجال، لا يعدو تفاؤلاً في غير محله، لأن نتنياهو، رفض أن يقدم أية تنازلات للحكومة الأمريكية فيما يخص القضايا المطروحة للتفاوض، والتي يأتي في مقدمتها بناء المستعمرات وتوسيع ما هو قائم منها، الأمن، الحدود.
إن الحرص على الاجتماع في هذا الموعد، يحمل أكثر من هدف لكل طرف من أطراف اللقاء.
حكومة العدو، عبّرت على لسان أكثر من مسؤول فيها على «التطور الإيجابي للعلاقة، إنها أول مرة منذ وقت طويل يكون فيها الفلسطينيون مستعدين للقدوم للحديث معنا مباشرة دون شروط مسبقة» كما قال وزير الاستخبارات«دان مريدور». كما رحبت الولايات المتحدة بالمبادرة الأردنية من خلال بيان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي «أكدت ترحيبها ودعمها لهذا التطور الايجابي، معربة عن أملها في أن يساهم اللقاء المباشر بينالجانبين في المضي قدما على الطريق الذي حددته اللجنة الرباعية» لعقد اجتماع في عمان بين مبعوثي اللجنة الرباعية الدولية وممثلين عن الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي».
أما رئيس وفد السلطة «عريقات» فقد أوضح في مؤتمر صحفي عقده في رام الله المحتلة عشية توجهه لعمان بـ«أن اللقاء مع الإسرائيليين في الأردن لا يعني استئناف المفاوضات، وإنما البحث فيما ستقدمه حكومة نتنياهو وليبرمانبخصوص الاستيطان والقدس والحدود. وهو فرصة لإيجاد أرضية مناسبة كما جاء في بيان الرباعية في 23.09.2011 لبدء محدثات ذات مغزى حقيقي لإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية».. مؤكداً«أن القيادة الفلسطينية لم تكن في يوم من الأيام ضد المفاوضات». مضيفاً أن «نتنياهو يسعى لجعل وظيفة السلطة الوطنية مقتصرة على الأمن والاقتصاد، إلا أننا نرفض هذه الوظيفة، لأن السلطة وظيفتها الأساسية نقل الشعبالفلسطيني من تحت الاحتلال إلى الاستقلال، ولا يوجد هناك من يطالب بحلها، خلافا لكل التأويلات». مشيراً إلى أن «الجانب الفلسطيني لم يوقف إطلاقاً اللقاء مع الإسرائيليين على المستويات الأمنية والوزارية والاقتصاديةوالقضايا الحياتية اليومية التي تهم المواطن الفلسطيني لان الاحتلال يسيطر على مفاصل الحياة الفلسطينية في الضفة والقطاع والقدس المحتلة».
لقد وفر عريقات على الجميع، مشقة البحث فيما وراء الكلمات، التي جاءت واضحة، ومباشرة، ولا تحتمل الاجتهاد أو التشكيك. لأن برنامج عمل، وخطاب سلطة رام الله المحتلة، الذي تفاءل «البعض» من إمكانية انتقاله لموقعآخر، بعد الكوارث التي ألحقها نهج التفريط، الممتد على أكثر من عقد من الزمن، قد اصطدم مجدداً بحقيقة تلك السلطة وخياراتها، رغم «بعض» التوصيفات/ المصطلحات التي تم تداولها من بعض القوى والمحللين عند مناقشتهملخطورة اللقاء. فما بين «الخطأ الفادح، ذر الرماد في العيون، التحفظ ، فك عزلة العدو...» تناوبت التعليقات، التي جاءت بهدوئها و«اتزانها» لتعكس حالة جديدة عند بعض القوى الجذرية، التي مازالت تتوهم بأن مصالحات القاهرةالورقية، قادرة على تصحيح الموقف السياسي/ الوظيفي/ الأمني للسلطة وحزبها، وهو ما أكدت عليه تجربة الأيام الأخيرة في الضفة المحتلة. لقد وفرت أجواء الحوارات في القاهرة، أجواءً مريحة، لتتقدم السلطة مجدداً في طريقالمفاوضات. ومن هنا تبرز المخاوف، من أن إدارة الانقسام، ستوفر لطرفي الحوار الأساسيين، فرصة الولوج إلى هدف كل منهما، بتفاهمات مشتركة، توفر مظلة جماعية لترتيب «البيت الداخلي» الذي يعاني من تشققات وتداعياتواضحة.
إن وحدة وطنية حقيقية، تلتزم ببرنامج سياسي وكفاحي، يتصدى لمهمة تحرير فلسطين، المنكوبة باحتلالي 1948 و 1967 هي الهدف الأساسي لشعبنا وقواه السياسية والمجتمعية، لكونها السلاح الحقيقي لمواجهة العدو. إن طريقاًواحداً خبره شعبنا على مدى أكثر من قرن من الزمن وهو يواجه المحتلين لوطنه. إنه طريق المقاومة المسلحة والشعبية بكل أشكالها.