.. ذهبت الجامعة العربية إلى نيويورك ولم تعد
لا بد من التأكيد بداية، أن الكتابة عن رحلة الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى مجلس الأمن الأسبوع الماضي، لكي يقدم شهادته حول المأساة الدموية التي تعصف بسورية، لا تقصد التشهير بالسيد نبيل العربي، وإن أكدت الاعتراض على المهمة ذاتها، بظروفهاوملابساتها و«رئيس الوفد» الذي اقترحها وقادها في الذهاب من القاهرة والإياب اليها. فالرحلة، أصلاً في تقدير جمهور المهتمين بكرامة الأمة، وكرامة الجامعة كمؤسسة، ثم أمينها العام، لم يكن لها ما يبررها، وبالتالي ما يعود بالنفع على الجامعة ذاتها... بل إن الشواهدجميعاً، وأخطرها السابقة التي تورط في إنجازها «السلف الصالح» السيد عمرو موسى، كانت تؤكد أن الرحلة مصدر أذى بالغ، ولعله مدمر، على دور جامعة الدول العربية، أو ما تبقى لها من دور...
فذهاب الجامعة بشخص أمينها العام الى نيويورك سيفضح عجزها عن أداء مهمتها، وسيحولها بالتالي الى شاهد زور، بل وإلى مدع ٍ عام بلا وكالة فعلية عن طرف غير ذي صفة، لا يملك أن يفوضه، خصوصاً بعدما أثبت عجزه عن أن يكون مرجعية لحل يجترحهويفرضه بما له من سلطة معنوية، فكيف وقد تحول الى طرف في الخصومة عندما أخرج «الدولة السورية» من مقعدها فيها، وهي بين مؤسسيها يوم لم يكن للشيخ حمد دولة من غاز.
ثم إن السيد الأمين العام، الذي لا موقع له في المنظمة الدولية، ولا دور له في الاجتماع الاستثنائي الذي نظم من دون الحاجة الى موافقته، قد تحدث بوصفه ضيفاً إنما جاء ليؤكد ـ بصفته المعنوية ـ مطالعة الاتهام التي أدلى بها رئيس الدورة القطري، وبالتالي فقد تبدى فيموقع التابع لا المتبوع، خصوصاً أنه ـ بروتوكولياً- بموقع وزير، في حين أن القطري هو برتبة رئيس وزراء، فضلاً عن كونه رئيس الدورة.
هذا كله في الشكل، أما في المضمون فليس مجلس الأمن المرجعية الرسمية للأمة العربية، سياسياً وثقافياً وأمنياً واقتصادياً، يذهب إليه من هو في موقع المرجع ليرفع إليه تقريره!
وفي المضمون أيضا فليس مجلس الأمن الدولي هو المرجعية الشرعية المعتمدة لأي نزاع داخلي، أو ظهور تمرد شعبي، أو طغيان نظام، وإلا لما وجد مجلس الأمن فائض وقت يكفي للنظر في الصراعات شبه المتواترة بين أنظمة الحكم العربية وشعوبها، والتي بلغتذروتها فتفجرت ثورات شعبية متلاحقة على مدار العام، فأسقطت أنظمة عاتية بعضها تجاوز في الحكم أربعة عقود، وبعضها ثلاثة عقود وأكثر، وبعضها عقدين ونصف... قبل ان نصل الى النظام السوري.
ثم إن الرئاسة لما يفترض أنه الوفد العربي هي بالضرورة لرئيس الدورة، ورئيس الدورة رئيس حكومة، والأمين العام - بالغة ما بلغت كفاءته ـ هو عضو في وفد «دولة الرئيس»... وبالتالي هو مجرد مؤكد ومصدق على كلام «دولة الرئيس»، فأين الجامعة العربية من كلذلك، خصوصاً متى انتبهنا الى أن الرئيس القطري لا يداري في إظهار خصومته الشخصية، فضلاً عن خصومة دولته، لسورية بنظامها ورئيسها جميعاً.
ونأتي الى مجلس الأمن والمواقع الحاكمة فيه: هل من الضروري شرح مدى التعاطف مع الأمة العربية جميعاً، ومع قضاياها، على امتداد تاريخ عرض تلك القضايا على هذا المجلس، منذ عرض قضية فلسطين لأول مرة 1948، وحتى الأمس القريب وحين بلغ التهافتبالمسؤولين عن القضية حد المطالبة بإعلان ما تبقى من فلسطين مشروع «دولة» لمن تبقى من أهلها فوق ما تبقى من أرضهم لهم فيها؟!
وهل كان الدكتور نبيل العربي يتخيل، وهو الأخبر بالمنظمات الدولية، وأحد المميزين من المفاوضين بالقانون لاستنقاذ الحق التاريخي لمصر في حدودها مع فلسطين التي لم تعد فلسطين، ان يذهب الى «مجلس حقوق الإنسان» ـ مثلاً ـ لكي يطالب لشعب سورية بشيء منحرية العمل والزواج والهجرة؟
لا يمكن أن يوجه الى هذا الخبير المميز في القانون الدولي، وفي المؤسسات الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة، الاتهام بأنه لا يعرف صلاحيات مجلس الأمن.
كذلك فلا يمكن لأحد ان يتهم الأمين العام بأنه لا يعرف مواقع القوى الحاكمة في هذا المجلس، فضلاً عن «عواطف» هذه القوى تجاه العرب عموماً، وبالذات منهم من ما زال يرفض