الاحتلال الأميركي للعراق وقائع وأرقام
شكل احتلال العراق 2003 وأفغانستان الذي جاء نتيجة لأحداث الحادي عشر من أيلول(سبتمبر)2001، أكبر أزمة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية،
وربما يكون سبباً في بداية انهيار وأفول الإمبراطورية الأميركية، كما توقع لها ذلك المؤرخ البريطاني بول كنيدي1987، في كتابه الموسوم «صعود وسقوط القوى العظمى: التغير الاقتصادي والصراع العسكري منذ عام 1500 حتى عام 2000».
هذا الاحتلال جعل تنظيم «القاعدة» وجهاً لوجه مع الولايات المتحدة الأميركية، احتلال العراق حقق الأمنية الكبرى التي كان يتمناها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، كان أسامة بن لادن يقول إنه لا يستطيع محاربة أميركا داخل أميركا لأنها بعيدة، ولكنه إذا استطاعجر أميركا إلى العالم الإسلامي ومحاربتها فإنه سيهزمها وهذا ما حدث(1)..
حيث تدل التقديرات الجادة على أنها ستكون أكثر الحروب تكلفة في التاريخ «العراق-أفغانستان»، باستثناء الحرب العالمية الثانية. ويقدر اثنان من أساتذة الاقتصاد أن حكومة الولايات المتحدة تنفق 12 مليار دولار شهرياً في العراق، بينما تقول اللجنة الاقتصاديةالمشتركة التابعة للكونجرس أن الحرب كلفت العائلة الأمريكية المكونة من أربعة أفراد حتى الآن مبلغ 16900 دولار، ويمكن أن ترتفع هذه الفاتورة إلى 37 ألف دولار بحلول عام 2017 (2).
ويأتي أكثر التقديرات تحفظاً لتكلفة الحرب من مكتب الميزانية في الكونجرس الذي لا يتبع أياً من الحزبين، والذي يقصر تحليله على ما تنفقه الحكومة الأمريكية. وحسب المكتب، تم إنفاق 413 مليار دولار على العراق. ومنذ ذلك التاريخ حتى نهاية عام 2017، سوفتبلغ التكلفة الإجمالية لما ينفق على العراق وأفغانستان ما بين 570 – 1055 مليار دولار، اعتماداً على السرعة التي يتم بها خفض عدد القوات العاملة في البلدين. وإذا تم إنفاق ثلاثة أرباع الميزانية على العراق، وهو معدل الإنفاق في السنوات الأخيرة، تصبح التكلفةالمباشرة على الميزانية 428 ـ 788 مليار دولار أخرى. وستكلف الفائدة المترتبة على الديون التي تم جمعها حتى الآن، والتي ترتبط بحرب العراق، 290 مليار دولار حتى عام 2017، مع مبلغ آخر يتراوح بين 131 و218 مليار دولار لتغطية الإنفاق في السنواتالعشر المقبلة. ويرفع هذا المبلغ فاتورة الحكومة الأمريكية حتى عام 2017 إلى ما يراوح بين 1300 و2000 مليار دولار.
وتحاول اللجنة الاقتصادية المشتركة التي يرأسها السيناتور الديمقراطي تشارلز شومر من ولاية نيويورك، أن تجمع التكاليف الاقتصادية التي تتحملها الولايات المتحدة، بما فيها تكلفة انتقال الاستثمار المنتج، والفائدة التي تدفع للأجانب، وزيادة أسعار النفط، التي تضيفكلها 700 مليار دولار أخرى حتى الآن. وعلى افتراض أن عدد القوات الأمريكية العاملة في العراق سينخفض إلى 55 ألف فرد بحلول عام 2013 وأنه سيبقى عند ذلك المستوى(أكدت مصادر أميركية أن عدد القوات الأميركية في العراق سوف يتراوح بين 4500- 1500 بصفة مدربين على مختلف صنوف الأسلحة وقد أكد وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري بأن العراق اشترى من الولايات 30 طائرة إف 16 وهو بحاجة إلى تقنيين لتدريب الطيارين العراقيين على تلك الطائرات) (3). وتشير بعض المصادر الاقتصاديةإلى أن تكلفة الحرب حتى عام 2017 ستصل إلى 2800 مليار دولار، وفقاً لقيمة الدولار عام 2007(4).
وهناك تقديرات لفاتورة النفقات الشهرية، المنظورة وغير المنظورة، التي دفتعها الولايات المتحدة للإنفاق على الحرب في العراق (وأفغانستان) تقدر بـ 16 ملياراً، وهذا يساوي ميزانية الأمم المتحدة برمتها مع كل مشاريعها في العالم. و يكفي مقارنة جزء من هذهالمليارات بـ «كل» ما تدفعه الولايات المتحدة من مساعدات لـ «كل» القارة الأفريقية وتبلغ 5 مليارات سنوياً، أي، لا تبلغ كلفة عشرة أيام حرب في العراق!، وأن شركات الحراسة الخاصة (بلاك ووتر) تدفع 400 ألف دولار كراتب سنوي لمن يعملون معها فيالحراسة، بينما يتقاضى الجندي الأميركي في العراق 40 ألف دولار، وكِلا الراتبين يُدفعان مباشرة أو غير مباشرة من الحكومة، ونعرض فيما يلي بعض تفاصيل الرقم الخرافي وما يمكن أن ينجزه في العالم في ما لو أنفق في مجالات السلم لا تقل صدمة عن إجمالهالجبروتي العام. فمثلاً: يمكن به توفير الرعاية الصحية لما يزيد عن ثلاثة مليار طفل في العالم يعاني مئات الملايين منهم من خطر الموت، ويمكن به توفير90 مليون مدرس يساهمون في القضاء على الأمية في العالم، أو ما يقارب خمسين مليون وحدة سكنية تحلمشكلة المأوى والتشرد لمئات الملايين في البلدان الفقيرة(5)، وهكذا فالجندي الأميركي كلف في الحرب العالمية الثانية 100 ألف دولار ارتفعت في العراق اليوم إلى 400 ألف دولار، وكل هذا مع حساب فرق العملة بين ذلك الحين واليوم(6).
لكن يرد تقدير أعلى لتكلفة الحرب في كتاب بعنوان حرب الثلاثة تريليونات دولار The Three Trillion Dollar War من تأليف جوزيف ستجليتز، الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، وليندا بيلمز التي كانت من كبار المسؤولين في عهد كلينتون فيتسعينيات القرن الماضي.
ويورد المؤلفان تقديراً أعلى على ميزانية الولايات المتحدة من التقديرات التي يوردها المكتب العام للميزانية لعدة أسباب. إذ يلاحظ ستجليتز وبيلمز أن عدد الجنود الذين يبقون على قيد الحياة يزيد على مثيله في الحروب السابقة بسبب التسلح والرعاية الصحية الأفضل.فقد بلغ عدد الجنود الذين قتلوا 4000 جندي، لكن تم نقل 60 ألفا آخرين جواً إلى الولايات المتحدة لأنهم أصيبوا، أو جرحوا، أو أصيبوا بأمراض خطيرة. ففي حين كانت نسبة الإصابات إلى القتلى في صفوف المقاتلين 2.6 – 1 في فيتنام، كانت هذه النسبة في العراقوأفغانستان 1:7 ، وإذا أخذنا في الاعتبار عدد الإصابات في صفوف المدنيين، فإن النسبة ترتفع إلى 1:15.
ويقدر المؤلفان أن 791 ألف جندي من المشاركين في حرب العراق وحرب أفغانستان سيطالبون بالحصول على امتيازات وتعويضات العجز، في حين أن 39 في المائة من 700 ألف جندي شاركوا في حرب الخليج (القصيرة) عام 1991 طالبوا بتعويضات العجز.ويقدر المؤلفان أن تتراوح تكلفة هذه التعويضات لمن شاركوا في حرب العراق وحدها بين 371 و630 مليار دولار. وقد أشارت دراسة حديثة صادرة عن معهد «راند» الأميركي آذار/ مارس 2008 إلى أنّ 300 ألف من الجنود العائدين من العراق وأفغانستانيعانون من الكآبة. وذكرت جمعية المحاربين القدماء الأميركية 22/4/2008 أن عدد القتلى في صفوف القوات الأميركية منذ حرب الخليج الأولى عام 1991 وحتى حرب العراق 2003. بلغ 73 ألف قتيل و 1،5 مليون جريح ومعاق. أما التكلفة الإضافية على ميزانيةالدفاع والتي قدراها بمبلغ يراوح بين 66 و267 مليار دولار، فتأتي من الحاجة إلى إعادة التنظيم وسد النقص في جيش بلغ استهلاكه من المعدات ستة إلى عشرة أضعاف المعدلات الاعتيادية، ناهيك عن استنزاف العنصر البشري فيه «تمّ قتل 4500 جندي في العراقوهذه الأرقام تعود إلى سلطات الاحتلال بينما تورد مصادر أخرى أرقاماً تصل إلى 50 ألف جندي قتلوا في العراق».
وتقديرهما لما تنفقه الحكومة على هذه الحرب يراوح بين 1292 و2039 مليار دولار، يرتفع إلى 1754 – 2655 مليار دولار إذا أضيفت الفائدة إليه.
ويضيف ستجليتز وبيلمز التكاليف الاجتماعية التي لا تدفعها الحكومة، بما في ذلك خسارة الطاقة الإنتاجية للذين قتلوا أو جرحوا في الحرب ونوعية الإعاقات الحياتية. ويقدران تكلفة هذه البنود بمبلغ يراوح بين 295 و415 مليار دولار بالنسبة للعراق وأفغانستان.
وأخيراً يضيفان التكاليف التي يتحملها الاقتصاد الكلي بسبب ارتفاع أسعار النفط والآثار الأخرى، كأثر ارتفاع أسعار الفائدة على الاقتصاد. وفيما يتعلق بالعراق وأفغانستان، ستتراوح تكلفة ذلك وفقاً لحساباتهما بين 187 و1900 مليار دولار. وأن هذه التقديرات لا تشملالتكلفة التي تتكبدها جهات أخرى غير الولايات المتحدة (بما في ذلك مجمل تكاليف الميزانية والتكاليف الاجتماعية البالغة 20،1 مليار جنيه إسترليني التي تتكبدها المملكة المتحدة حتى عام 2010).
وتصف بيلمز ـ التي تقول إن الكتاب يترك المجال للآخرين لتقدير فوائد الحرب ـ رقم الثلاثة تريليونات دولار الرئيسي بأنه رقم متحفظ جداً. فهي تلاحظ أن الحكومة الاتحادية للولايات المتحدة أنفقت 108 ملايين دولار لإجراء أبحاث على موضوع التوحد (الهروب منالواقع إلى الخيال) وهو حالة تصيب واحداً من كل 150 طفلاً. «إننا ننفق هذا المبلغ في أربع ساعات ونصف في العراق. وأنا متأكدة أنه لو عرف الناس ذلك لقالوا إن الحرب كانت خطأ»
لقد ذكر تقرير رسمي صادر عن مكتب الموازنة في الكونغرس الأمريكي أن الكلفة الإجمالية للحرب في العراق وأفغانستان قد تصل إلى 2،4 تريليون دولار بحلول العام 2017.
وقال جون سبرات رئيس لجنة الميزانية بمجلس النواب أن تكاليف الحرب التي تقول الولايات المتحدة إنها «حرب على الإرهاب»هائلة وفي تزايد. إلا أن بول ريان النائب الجمهوري في اللجنة قال إنه رغم أن التكاليف كبيرة، فإنها لا تقارن بالتكاليف العسكرية خلالأزمات سابقة في السياسة الخارجية(7).
بقي أن نشير إلى أن السفارة الأميركية في العراق من أضخم السفارات في العالم تضم 16 ألف موظف 70% منهم متعاقدون أمنيين. أما تكلفة الحرب فقد بلغت 800 مليار دولار أميركي(8).
(*) صحافي وكاتب سوري
الهوامش:
(2) راجع: عطوان، عبد الباري، قناة الجزيرة، الوثائقية، من برنامج الإسلاميون، 2010.
(3) راجع: ولد أباه، السيد: النظام العربي بعد 5 سنوات من الزلزال العراقي، صحيفة الشرق الأوسط، العدد 10727، تاريخ 11/4/2008.
(4) راجع: فيدلر، ستيفن: تكلفة الحرب في العراق تكلف شعوراً بالصدمة والرعب، صحيفة، الاقتصادية الدولية، العدد (5275)، تاريخ 21/3/2008.
(5) راجع: الحروب، خالد: ستة تريليونات كلفة حرب العراق ، صحيفة، الحياة، العدد (16410)، تاريخ 9/3/2008 ص 9.
(6) راجع: الخازن، جهاد، صحيفة، الحياة، اللندنية، العدد (16410) تاريخ 9/3/2008.
(7) راجع: موقع قناة العربية الفضائية، تاريخ 25 أكتوبر2007. كلفة حربي العراق وأفغانستان قد تصل 2.4 تريليون دولار بحلول العام 2017.
(8) راجع:BBC العربية 16/12/2011.